الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 3678 ] القرآن هو المعجزة الكبرى

                                                          قال تعالى:

                                                          أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنـزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون

                                                          * * *

                                                          أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين

                                                          (أم) هنا بمعنى (بل)، فهي منقطعة، وسياق القول أنهم بطلبهم أن ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - كنز من السماء أو يكون معه ملك ينكرون المعجزة القرآنية، فواجههم الله تعالى بالتحدي المتجدد المستمر، والإضراب هنا فيه انتقال إلى هذا التحدي.

                                                          لقد تحداهم القرآن الكريم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا فتحداهم بسورة فعجزوا، وقد صور الزمخشري أن الانتقال من العشر إلى الواحدة تنزل في التحدي كمن يقول لمن يتعلم الكتابة، اكتب عشرة أسطر فلا يستطيع، فيقول له اكتب سطرا فإذا لم يكتب كان ذلك دليلا على العجز المطلق، ولقد ادعوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه افتراه، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، مثله في حسن [ ص: 3679 ] بلاغته وانسجام عباراته وتوافق فواصله من غير سجع مرهق للمعاني، ولا جفوة في الألفاظ.

                                                          لقد تضمن اعتراضهم أمرين، إنكار أن يكون القرآن معجزة، والثاني أنه مفترى وليس نازلا من الله تعالى، ولقد اتجه الرد عليهم إلى إعجازهم وعجزهم، لأنه الأمر الذي أنكروه ابتداء. فقل لهم يا محمد أن يأتوا بعشر مفتريات، واختلقوها اختلاقا لتكون على النهج الذي جاء به القرآن فإنكم أرباب البيان وأهل الفصاحة واللسان، واجعلوا الحكام في هذا الأمر منكم ممن يلغون لغوكم وينكرون الإعجاز مثلكم، وقوله من دون الله تعالى يعني غير الله من أمثالكم ممن يضادون الله تعالى ويعادونه ولا تتقيدوا بواحد أو اثنين بل ادعوا من استطعتم عددا وقوة وعلما بأساليب البيان إن كنتم صادقين في أنه ليس بمعجز وأنه ليس من عند الله وإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فأنتم الكاذبون.

                                                          (الفاء) في قوله تعالى: فأتوا تفصح عن شرط مقدر يناسب ما بعده، والتقدير، فإن كان افتراه كما ادعيتم فأتوا بعشر سور مثله مفتريات إن كنتم صادقين في ادعائكم افتراءه، وما هو بمفترى فلستم صادقين.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية