الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

                                                                                                                                                                                                                                      والذين كسبوا السيئات أي: الشرك والمعاصي، وهو مبتدأ بتقدير المضاف، خبره قوله تعالى: جزاء سيئة بمثلها أي: جزاء الذين كسبوا السيئات أن يجازى سيئة واحدة بسيئة مثلها، لا يزاد عليها - كما يزاد في الحسنة - وتغيير السبك حيث لم يقل: وللذين كسبوا السيئات السوأى لمراعاة ما بين الفريقين من كمال التنائي والتباين، وإيراد الكسب للإيذان بأن ذلك إنما هو لسوء صنيعهم وبسبب جنايتهم على أنفسهم، أو الموصول معطوف على الموصول الأول، كأنه [ ص: 139 ] قيل: وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة مثلها، كقولك: في الدار زيد والحجرة عمرو، وفيه دلالة على أن المراد بالزيادة الفضل.

                                                                                                                                                                                                                                      وترهقهم ذلة وأي ذلة، كما ينبئ عنه التنوين التفخيمي، وفي إسناد الرهق إلى أنفسهم دون وجوههم إيذان بأنها محيطة بهم غاشية لهم جميعا، وقرئ (يرهقهم) بالياء التحتانية ما لهم من الله من عاصم أي: لا يعصمهم أحد من سخطه وعذابه تعالى، أو ما لهم من عنده تعالى من يعصمهم كما يكون للمؤمنين، وفي نفي العاصم من المبالغة في نفي العصمة ما لا يخفى، والجملة مستأنفة، أو حال من ضمير (ترهقهم).

                                                                                                                                                                                                                                      كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل لفرط سوادها وظلمتها مظلما حال من الليل، والعامل فيه (أغشيت) لأنه العامل في (قطعا) وهو موصوف بالجار والمجرور، والعامل في الموصوف عامل في الصفة، أو معنى الفعل في (من الليل) وقرئ (قطعا) بسكون الطاء وهو طائفة من الليل قال:


                                                                                                                                                                                                                                      افتحي الباب وانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم



                                                                                                                                                                                                                                      فيجوز كون (مظلما) صفة له، أو حالا منه، وقرئ (كأنما يغشي وجوههم قطع من الليل مظلم) والجملة كما قبلها مستأنفة، أو حال من ضمير (ترهقهم).

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك أي: الموصوفون بما ذكر من الصفات الذميمة أصحاب النار هم فيها خالدون وحيث كانت الآية الكريمة في حق الكفار بشهادة السياق والسباق لم يكن فيها تمسك للوعيدية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية