الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 379 ] 138 - باب بيان مشكل ما في كتاب الله تعالى مما ذكر الرحمة بالريح وبالرياح مما قد روي عن رسول الله عليه السلام مما يدل على الأولى في ذلك من تينك القراءتين

حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عبيد قال : القراءة التي نتبعها في الريح والرياح أن ما كان منها من الرحمة فإنه جماع ، وما كان منها من العذاب فإنه على واحدة ، قال : والأصل الذي اعتبرنا به هذه القراءة حديث { النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا هاجت الريح قال : اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا } فكان ما حكاه أبو عبيد من هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا أصل له ، وقد كان الأولى به لجلالة قدره ولصدقه في روايته غير هذا الحديث أن لا يضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يعرفه أهل العلم بالحديث عنه ، ثم اعتبرنا ما في كتاب الله مما يدل على الوجه في هذا المعنى فوجدنا الله قد قال في كتابه : هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وكانت الريح الطيبة من الله رحمة ، والريح العاصف منه عز وجل عذابا ، ففي ذلك ما قد دل على انتفاء ما رواه أبو عبيد مما ذكرناه عنه ، والله يغفر له .

[ ص: 380 ] ثم اعتبرنا ما يروى عن النبي عليه السلام مما يدخل في هذا المعنى .

918 - فوجدنا أبا أمية قد حدثنا قال : حدثنا علي بن المديني . ووجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قالا : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ذر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تسبوا الريح إذا رأيتم منها ما تكرهون ، قولوا : اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به } .

ووجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ... ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه على أبي .

[ ص: 381 ] ووجدنا أحمد قد حدثنا قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا شعبة ، عن حبيب قال : سمعت ذرا ، عن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه أن الريح هاجت على عهد أبي ... ثم ذكر مثله ، ولم يرفعه .

قال أحمد بن شعيب : وهو الصواب .

ووجدنا أحمد قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن [ ص: 382 ] أبي عدي أخبرنا شعبة ، عن حبيب ... ثم ذكر مثله بإسناده ، ولم يرفعه ، فهذا ما وجدنا فيه عن أبي بن كعب .

وقد وجدنا فيه عن أبي هريرة أيضا :

919 - ما قد حدثنا به يونس ، حدثنا بشر بن بكر أخبرنا الأوزاعي ، عن محمد بن مسلم ، أخبرني ثابت الزرقي أن { أبا هريرة قال : أخذت الناس ريح في طريق مكة وعمر بن الخطاب حاج ، فاشتدت عليهم فقال عمر لمن حوله : ما الريح ، فلم يرجعوا له شيئا ، وبلغني الذي سأل عنه عمر من ذلك فاستحثثت راحلتي حتى أدركته ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، أخبرت أنك سألت عن الريح ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب ، فلا تسبوها ، واسألوا الله خيرها واستعيذوا به من شرها } .

[ ص: 383 ]

920 - وما حدثنا به بكار ، حدثنا أبو عاصم ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن ثابت بن قيس ، عن أبي هريرة ... ثم ذكر مثله سواء .

921 - وما حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ابن جريج ، حدثني زياد أن ابن شهاب أخبره ، أخبرني ثابت بن قيس أن أبا هريرة قال ... ثم ذكر مثله .

922 - وما قد حدثنا محمد بن عزيز الأيلي ، حدثنا سلامة بن روح ، عن عقيل ، حدثني ابن شهاب ... ثم ذكر بإسناده مثله .

923 - وما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا كثير بن عبيد ، [ ص: 384 ] حدثنا محمد بن حرب ، عن الزبيدي ، أخبرني الزهري ، عن ثابت الزرقي ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم ذكر مثله .

924 - وما قد حدثنا هارون بن كامل قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ... ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : وعوذوا بالله من شرها .

فهذا ما وجدنا فيه عن أبي هريرة موافقا لما وجدناه فيه عن أبي بن كعب .

وقد وجدنا فيه عن عائشة :

925 - ما قد حدثنا يونس ، عن ابن وهب قال : سمعت ابن جريج يحدث عن عطاء ، عن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ [ ص: 385 ] بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ، وإذا تخيلت السماء تغير لونه ودخل وخرج وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سري عنه ، فسألته عائشة فقال : لعله كما قال قوم عاد : فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا } .

فهذا ما وجدنا عن عائشة في هذا المعنى .

وقد حدثنا عن أنس بن مالك فيه أيضا :

926 - ما حدثنا محمد بن علي بن داود ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن المثنى بن سعيد ، عن قتادة ، [ ص: 386 ] عن أنس ، عن { النبي عليه السلام أنه كان إذا هاجت ريح شديدة قال : اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به ، وأعوذ بك من شر ما أمرت به } .

فهذا ما وجدنا فيه عن أنس ، وفي جميع ما روينا أن الريح قد تأتي بالرحمة وقد تأتي بالعذاب ، وأنه لا فرق بينهما إلا في الرحمة والعذاب وأنها ريح واحدة لا رياح .

وقد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا مما يدخل في هذا المعنى :

927 - ما حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدي وعثمان بن عمر بن فارس قالا : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أن النبي عليه السلام قال : { نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور } .

[ ص: 387 ]

928 - وما حدثنا أبو أمية ، حدثنا الخضر بن شجاع ، حدثنا مسكين بن بكير ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي عليه السلام مثله .

فاختلف أبو عامر وعثمان بن عمر ومسكين بن بكير في الرجل الذي بين الحكم وابن عباس ، فقال أبو عامر وعثمان : إنه مجاهد ، وقال مسكين : إنه سعيد بن جبير .

وقد وجدناه من غير حديث شعبة ومن غير حديث الحكم :

929 - كما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا شيبان ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن رسول الله عليه السلام مثله .

فكان فيما رويناه عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { نصر بالصبا - وهي ريح واحدة - وأن عادا أهلكت بالدبور - وهي ريح واحدة - } [ ص: 388 ] وفي ذلك ما قد دل على ما ذكرنا .

حدثنا ابن أبي عمران ، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش قال : قرأ رجل على عاصم : وأرسلنا الريح لواقح ، فقال عاصم : وأرسلنا الرياح لواقح ، لو كانت الريح لكانت ملقحة . قال : فذكرت ذلك للأعمش ، فقال لي : إنه لا يلقح من الرياح إلا الجنوب ، فإذا تفرقت صارت رياحا .

وفيما قد رويناه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل أن الاختيار فيما اختلف فيه القراء الذين ذكرنا من الرياح ومن الريح هو الريح لا الرياح .

التالي السابق


الخدمات العلمية