الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 271 ] ولما ذكر الناظم رحمه الله من يندب ويجب أعقب ذلك بذكر من لا يجوز هجره من المسلمين فقال :
مطلب : في nindex.php?page=treesubj&link=18074حظر انتفاء التسليم فوق ثلاثة : وحظر انتفا التسليم فوق ثلاثة على غير من قلنا بهجر فأكد ( وحظر ) أي منع ، وهو منصوب على المفعولية بأكد .
والمراد بالحظر هنا الحرمة خلافا لظاهر كلام الإمام nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل . قال في الآداب الكبرى : فأما هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله فقال nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل يكره . وكلام الأصحاب خلافه ولهذا قال شيخ الإسلام قدس الله روحه : اقتصاره في الهجر على الكراهة ليس بجيد بل من الكبائر ، على نص nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد إذ الكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة .
وقد صح قوله عليه الصلاة والسلام فيمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار .
( انتفا التسليم ) إذا لقيه فيعرض عنه جانبا ولا يكون لأخوة الإسلام مراقبا ولا لخطة الشيطان مجانبا ( فوق ثلاثة ) من الأيام أي أزيد منها لما ذكرنا من الحديث . فظاهر كلام الناظم عدم الحظر في الثلاثة فما دون .
وظاهر كلام الأكثر هنا لا فرق بين ثلاثة أيام فأكثر . وكلامهم في النشوز يدل على هذا . وذلك لظاهر ما في الصحيحين من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=12908إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله عز وجل . المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره . التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات . بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه ، وماله ، وعرضه ، وفيهما ولا تنافسوا ، ولا تهاجروا ، ولا تقاطعوا . إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم } .
فقوله . ولا تهاجروا " نهي عن الهجرة وقطع الكلام ، وفي رواية " ولا تهجروا " وهو بمعنى الأولى . وقيل يجوز أن يكون معنى ولا تهجروا أي لا تتكلموا بالهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح . [ ص: 272 ] وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري وأبي داود وغيرهما { nindex.php?page=hadith&LINKID=42372ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث } .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وزاد فيه { nindex.php?page=hadith&LINKID=44270يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة } .
وأخرج الإمام nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=26030لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام } .
وأخرج أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي بإسناد صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا { nindex.php?page=hadith&LINKID=31466لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار } .
وفي رواية لأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=31459لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث ، فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه ، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر ، وإن لم يرد فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة } .
وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عند أبي داود { nindex.php?page=hadith&LINKID=23569فإذا لقيه يسلم عليه ثلاث مرات كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه } .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بسند صحيح وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه عن هشام بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=31469لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال ، فإنهما ناكبان أي مائلان عن الحق ، ما داما على صرامهما ، وأولهما فيئا يكون سبقه بالفيء كفارة له ، وإن سلم فلم يقبل ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة ورد على الآخر الشيطان ، فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا أبدا } .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بسند صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=16789فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=37524من هجر أخاه فوق ثلاث فهو في النار إلا أن يتداركه الله برحمته } .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم واللفظ له وأبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=16843تعرض [ ص: 273 ] الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا } وفي رواية أنه يكرر ذلك ثلاثا يعني قوله اتركوا هذين حتى يصطلحا . الشحناء العداوة كأنه شحن قلبه بغضا أي ملأه .
وكلامه في المستوعب وغيره على أنه لا يحرم في الثلاثة أيام للأخبار التي ذكرناها .
وفي شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم قال العلماء رضي الله عنهم : وإنما عفي عنها في الثلاث لأن الآدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك ، فعفي عنها في الثلاث ليزول ذلك العارض . وقيل إن الأخبار لا تدل على الهجر في الثلاث قال في شرح مسلم على مذهب من لا يحتج بالمفهوم : قال في الآداب : ويتوجه أو لأن الخبر في الهجر بعذر شرعي انتهى .
قلت : وقد ورد من المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يبطل التأويلين . فروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ورواته ثقات إلا عبد الله عبد العزيز الليثني فوثقه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري منكر الحديث ، وضعفه nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي وأبو حاتم ، وقال أبو زرعة ليس بالقوي ، وقال يحيى ليس بشيء فهو مختلف فيه كما ترى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=30129لا تدابروا ، ولا تقاطعوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، هجر المؤمنين ثلاثا فإن تكلما وإلا أعرض الله عز وجل عنهما حتى يتكلما } فإن هذا الحديث يبطل تأويل من لم يحتج بالمفهوم جزما ، وهي اتجاه صاحب الآداب لأن الأصل عدم العذر إلا أن يقوم عليه دليل والله الموفق .
وإنما يحرم الهجر وانتفاء التسليم فوق ثلاثة أيام ( على غير من ) أي مسلم قلنا ( ب ) جواز ( هجر ) هـ لارتكابه المعاصي وتجاهره بها ، فإنها تجره بالنواصي إلى جهنم ولهبها . أو قلنا بوجوب هجره لارتكابه البدع المكفرة أو المفسقة أو كونه داعيا إلى بدعة مضلة أو مفسقة كما بيناه سابقا .
وقول الناظم ( فأكد ) فعل أمر من التأكيد ، أي أكد حظر انتفاء التسليم فوق ثلاثة أيام بلياليها على غير من قلنا بجواز هجره أو وجوبه .