الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 82 ] [ ص: 83 ]

                        اعلم أن اللفظ إن قصد بجزء منه الدلالة على جزء معناه ، فهو مركب ، وإلا فهو مفرد . والمفرد : إما واحد ، أو متعدد ، وكذلك معناه ، فهذه أربعة أقسام :

                        الأول : الواحد للواحد ، إن لم يشترك في مفهومه كثيرون لا محققا ، ولا مقدرا ، فمعرفة لتعينه إما مطلقا ، أي وضعا واستعمالا ، فعلم ( شخصي ، وجزئي ) حقيقي ، إن كان فردا أو مضافا بوضعه الأصلي ، سواء كان العهد ، أي اعتبار الحضور لنفس الحقيقة ، أو لحصة منها معينة مذكورة ، أو في حكمها ، أو مبهمة من حيث الوجود ، معينة من حيث التخصيص ، أو لكل من الحصص ، وإما بالإشارة الحسية فاسمها ، وإما بالعقلية فلا بد من دليلها سابقا كضمير الغائب ، أو معا كضميري المخاطب والمتكلم ، أو لاحقا كالموصولات .

                        وإن اشترك في مفهومه كثيرون تحقيقا أو تقديرا فكلي ، فإن تناول الكثير على أنه واحد فجنس ، وإلا فاسم الجنس .

                        وأيا ما كان فتناوله لجزئياته : إن كان على وجه التفاوت بأولية ، أو أولوية ، أو أشدية ، فهو المشكك ، وإن كان تناوله لها على السوية ، فهو المتواطئ .

                        وكل واحد من هذه الأقسام إن لم يتناول - وضعا - إلا فردا معينا فخاص ، خصوص البعض ، وإن تناول الأفراد واستغرقها فعام سواء استغرقها مجتمعة ، أو على سبيل البدل ، والأول يقال له العموم الشمولي ، والثاني البدلي ، وإن لم يستغرقها ، فإن تناول مجموعا غير محصور فيسمى عاما عند من لم يشترط الاستغراق ، كالجمع المنكر ، وعند من اشترط واسطة .

                        والراجح : أنه خاص ; لأن دلالته على أقل الجمع قطعية ، كدلالة المفرد على الواحد .

                        وإن لم يتناول مجموعا ، بل واحدا ، أو اثنين ، أو يتناول محصورا ، فخاص خصوص [ ص: 84 ] الجنس ، أو النوع .

                        الثاني : اللفظ المتعدد للمعنى المتعدد ، ويسمى المتباين ، سواء تفاصلت أفراده كالإنسان والفرس ، أو تواصلت كالسيف والصارم .

                        الثالث : اللفظ الواحد للمعنى المتعدد ، فإن وضع لكل فمشترك ، وإلا فإن اشتهر في الثاني فمنقول ينسب إلى ناقله ، وإلا فحقيقة ومجاز .

                        الرابع : اللفظ المتعدد للمعنى الواحد ، ويسمى المترادف .

                        وكل من الأربعة ينقسم إلى مشتق ، وغير مشتق ، وإلى صفة وغير صفة .

                        ثم دلالة اللفظ على تمام ما وضع له : مطابقة ، وعلى جزئه : تضمن ، وعلى الخارج : التزام .

                        وجميع ما ذكرنا هاهنا قد بين في علوم معروفة ، فلا نطيل البحث فيه . ولكنا نذكر هاهنا خمس مسائل تتعلق بهذا العلم تعلقا تاما .

                        المسألة الأولى : في الاشتقاق

                        الاشتقاق أن تجد بين اللفظين تناسبا في المعنى والتركيب ، فترد أحدهما إلى الآخر .

                        وأركانه أربعة : أحدها : اسم موضوع لمعنى .

                        وثانيها : شيء آخر له نسبة إلى ذلك المعنى .

                        وثالثها : مشاركة بين هذين الاسمين في الحروف الأصلية .

                        ورابعها : تغيير يلحق ذلك الاسم في حرف فقط ، أو حركة فقط ، أو فيهما معا .

                        [ ص: 85 ] وكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة إما أن يكون بالزيادة ، أو النقصان ، أو بهما معا ، فهذه تسعة أقسام : أحدها : زيادة الحركة . ثانيها : زيادة الحرف . ثالثها : زيادتهما . رابعها : نقصان الحركة . خامسها : نقصان الحرف . سادسها : نقصانهما . سابعها : زيادة الحركة مع نقصان الحرف . ثامنها : زيادة الحرف مع نقصان الحركة ، تاسعها : أن يزاد فيه حركة وحرف وينقص عنه حركة وحرف .

                        وقيل تنتهي أقسامه إلى خمسة عشر ، وذلك لأنه يكون إما بحركة ، أو حرف بزيادة ، أو نقصان ، أو بهما ، والتركيب مثنى ، وثلاث ، ورباع .

                        وينقسم إلى الصغير والكبير والأكبر ; لأن المناسبة أعم من الموافقة ، فمع الموافقة في [ ص: 86 ] الحروف والترتيب صغير ، وبدون الترتيب كبير ، نحو : جذب وجبذ ، وكنى ونكى ، وبدون الموافقة أكبر لمناسبة ما كالمخرج في ثلم وثلب ، أو الصفة كالشدة في الرجم والرقم ، فالمعتبر في الأولين الموافقة ، وفي الأخير المناسبة .

                        والاشتقاق الكبير والأكبر ليس من غرض الأصولي ; لأن المبحوث عنه في الأصول إنما هو المشتق بالاشتقاق الصغير .

                        واللفظ ينقسم إلى قسمين :

                        صفة : وهي ما دل على ذات مبهمة غير معينة ، بتعيين شخصي ، ولا جنسي ، متصفة بمعين كضارب ، فإن معناه : ذات ثبت لها الضرب .

                        وغير صفة : وهو ما لا يدل على ذات مبهمة ، متصفة بمعين .

                        ثم اختلفوا ، هل بقاء وجه الاشتقاق شرط لصدق الاسم المشتق ، فيكون للمباشر حقيقة اتفاقا ، وفي الاستقبال مجازا اتفاقا ، وفي الماضي الذي قد انقطع خلاف مشهور بين الحنفية والشافعية ، فقالت الحنفية : مجاز . وقالت الشافعية : حقيقة ، وإليه ذهب ابن سينا من الفلاسفة وأبو هاشم من المعتزلة .

                        احتج القائلون بالاشتراط : بأن الضارب بعد انقضاء الضرب يصدق عليه أنه ليس بضارب ، وإذا صدق عليه ذلك وجب أن لا يصدق عليه أنه ضارب ; لأن قولنا [ ص: 87 ] ضارب يناقضه - في العرف - قولنا ليس بضارب .

                        وأجيب : بمنع أن نفيه في الحال يستلزم نفيه مطلقا ؛ فإن الثبوت في الحال أخص من الثبوت مطلقا ، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم إلا أن يراد النفي المقيد بالحال لا نفي المقيد بالحال .

                        وأجيب أيضا : بأن اللازم النفي في الجملة ، ولا ينافي الثبوت في الجملة إلا أن الاعتبار بالمنافاة في اللغة لا في العقل .

                        واحتجوا ثانيا : بأنه لو صح إطلاق المشتق إطلاقا حقيقيا باعتبار ما قبله لصح باعتبار ما بعده ، ولا يصح اتفاقا .

                        وأجيب : بمنع الملازمة ; فإنه قد يشترط المشترك بين الماضي والحال ، وهو كونه ثبت له الضرب .

                        واحتج النافون بإجماع أهل اللغة : على صحة " ضارب أمس " ، والأصل في الإطلاق الحقيقة .

                        وأجيب : بأنه مجاز بدليل إجماعهم على صحة " ضارب غدا " ، وهو مجاز اتفاقا ، ويجاب عنه بأن مجازيته لعدم تلبسه بالفعل ، لا في الحال ، ولا في الماضي ، فلا يستلزم مجازية " ضارب أمس " .

                        والحق أن إطلاق المشتق على الماضي الذي قد انقطع حقيقة لاتصافه بذلك في الجملة .

                        وقد ذهب قوم إلى التفصيل ، فقالوا : إن كان معناه ممكن البقاء اشترط بقاؤه ، فإذا مضى وانقطع فمجاز ، وإن كان غير ممكن البقاء لم يشترط بقاؤه ، فيكون إطلاقه عليه حقيقة .

                        وذهب آخرون إلى الوقف ولا وجه له ، فإن أدلة صحة الإطلاق الحقيقي على ما مضى وانقطع ظاهرة قوية .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية