الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      15- وأما قوله: (فزادهم الله مرضا) فمن فخم نصب "الزاي" فقال: (زادهم) ومن أمال كسر "الزاي" فقال: (زادهم) ؛ لأنها من "زدت" أولها مكسور.

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 41 ] فناس من العرب يميلون ما كان من هذا النحو؛ وهم بعض أهل الحجاز، ويقولون أيضا : (ولمن خاف مقام ربه) ، : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) [و] : (وقد خاب) ولا يقولون : قال ولا زار لأنه يقول: (قلت) و (زرت) فأوله مضموم؛ فإنما يفعلون هذا في ما كان أوله من "فعلت" مكسورا لأنهم ينحون الكسرة كما ينحون الياء في قوله: (وسقاهم ربهم) . و : (قد أفلح من زكاها) . ويقرأ جميع ذلك بالتفخيم.

                                                                                                                                                                                                                      وما كان من نحو هذا من "بنات الواو" وكان ثالثا نحو : (والقمر إذا تلاها) ونحو : (والأرض وما طحاها) .

                                                                                                                                                                                                                      فإن كثيرا من العرب يفخمه ولا يميله؛ لأنها ليست بـ "ياء" فتميل إليها؛ لأنها من "طحوت" و "تلوت".

                                                                                                                                                                                                                      فإذا كانت رابعة فصاعدا أمالوا، وكانت الإمالة هي الوجه؛ لأنها حينئذ قد انقلبت إلى الياء. ألا ترى أنك تقول: "غزوت" و "أغزيت" ومثل ذلك:

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 42 ] : (والليل إذا يغشاها) . و : (قد أفلح من تزكى) ، : (والنهار إذا تجلى) أمالها لأنها رابعة، و "تجلى" فعلت منها بـ "الواو" لأنها من "جلوت" و "زكا" من "زكوت يزكو" ، : (والليل إذا يغشاها) من "الغشاوة".

                                                                                                                                                                                                                      وقد يميل ما كان منه بـ "الواو" نحو: (تليها) و (طحاها) ناس كثير؛ لأن "الواو" تنقلب إلى "الياء" كثيرا، مثل قولهم في (حور: حير) وفي "مشوب: مشيب" وقالوا "أرض مسنية" إذا كان يسنوها المطر، فأمالوها إلى الياء؛ لأنها تنقلب إليها.

                                                                                                                                                                                                                      وأمالوا كل ما كان نحو: "فعلى" و "فعلى" نحو: "بشرى" و "مرضى" و "سكرى"؛ لأن هذا لوثني كان بالياء فمالوا إليها.

                                                                                                                                                                                                                      وأما قوله: (بما كانوا يكذبون) فـ (يكذبون) : يجحدون، وهو الكفر. وقال بعضهم: (يكذبون) خفيفة وبها نقرأ. يعني يكذبون على الله وعلى الرسل.

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 43 ] جعل "ما" والفعل اسما للمصدر، كما جعل "أن" والفعل اسما للمصدر في قوله: "أحب أن تأتيني"، وأما المعنى فإنما هو بكذبهم وتكذيبهم. وأدخل "كان" ليخبر أنه كان فيما مضى؛ كما تقول: "ما أحسن ما كان عبد الله ، فأنت تعجب من عبد الله لا من كونه، وإنما وقع التعجب في اللفظ على كونه. وقال: (فاصدع بما تؤمر) وليس هذا في معنى "فاصدع بالذي تؤمر به"، لو كان هذا المعنى؛ لم يكن كلاما حتى يجيء بـ "به" ولكن "اصدع بالأمر" جعل "ما تؤمر" اسما واحدا. وقال: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) يقول: "بالإتيان" يجعل "ما" و "أتوا" اسما للمصدر. وإن شئت قلت: "أتوا" ها هنا: جاءوا، كأنه يقول: "بما جاءوا" يريد: "جاءوه" كما تقول: "يفرحون بما صنعوا"، أي: "بما صنعوه". ومثل هذا في القرآن كثير. وتقديره: "بكونهم يكذبون" فـ "يكذبون" مفعول لـ "كان" كما تقول: "سرني زيد بكونه يعقل" أي: بكونه عاقلا.

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية