الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم إن اليهود عندهم من الاختلاف في أمره ما يدل على عدم يقينهم بشيء من أخباره ، فمنهم من يقول : إنه كان رجلا منهم ويعرفون أباه وأمه ، وينسبونه لزانية ، وحاشاه وحاشا أمه الصديقة الطاهرة البتول ، التي لم يقرعها فحل قط ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، ويسمون أباه للزانية البنديرا الرومي ، وأمه مريم الماشطة ، ويزعمون أن زوجها يوسف بن يهودا وجد البنديرا عندها على فراشها أو شعر بذلك فهجرها وأنكر ابنها .

ومن اليهود لعنهم الله من رغب عن هذا القول وقالوا : إنما أبوه يوسف بن يهودا الذي كان زوجا لمريم ، ويذكرون أن السبب في استفاضة اسم الزنيم عليه : أنه بينا هو يوما مع معلمه يهشوع بن برضيا وسائر التلاميذ فنزلوا في سفر موضعا ، وجاءت امرأة من أهله وجعلت تبالغ في إكرامهم ، فقال يهشوع : ما أحسن هذه المرأة ؟ يريد أفعالها ، فقال عيسى - بزعمهم - لولا عمش في عينها ، فصاح يهشوع وقال : ممزار - ترجمته : يا زنيم - أتزني بالنظر ؟ وغضب غضبا شديدا ، وعاد إلى بيت المقدس ، وحرم [ ص: 532 ] اسمه ولعنه في أربعمائة قرن ، فحينئذ لحق ببعض قواد الروم وأدخله بصناعة الطب فقوي لذلك على اليهود ، وهم يومئذ في ذمة قيصر بتاريوش ، وجعل يخالف حكم التوراة ، ويستدرك عليها ، ويعرض عن بعضها إلى أن كان من أمره ما كان .

وطوائف من اليهود لعنهم الله يقولون غير هذا ، ويقولون إنه كان يلاعب الصبيان بالكرة فوقفت لهم الكرة بين جماعة من مشايخ اليهود ، فضعف الصبيان عن استخراجها من بينهم ، حياء منهم أي من مشايخهم ، فقوي عيسى وتخطى رقابهم وأخذها ، فقالوا له : ما نظنك إلا زنيما .

ومن اختلاف اليهود لعنهم الله في أمره أنهم يسمون أباه بزعمهم الذي هو خطيب مريم يوسف بن يهودا النجار ، وبعضهم يقول : إنما هو يوسف الحداد . والنصارى تزعم أنها ذات بعل ، وأن زوجها يوسف بن يعقوب ، وبعضهم يقول يوسف بن آل .

وهم يختلفون أيضا في آبائه وعددهم إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام فمن مقل ومن مكثر . فهذا ما عند اليهود لعنهم الله ، وهم شيوخكم في نقل الصلب وأمره ، وإلا فمن المعلوم أنه لم يحضره أحد من النصارى . وإنما حضره اليهود لعنهم الله ، [ ص: 533 ] وقالوا : قتلناه وصلبناه وهم الذين قالوا فيه ما حكيناه عنهم ، فإن صدقتموهم في الصلب فصدقوهم في سائر ما ذكروه ، وإن كذبتموهم فيما نقلوه عنه فما الموجب لتصديقهم في الصلب وتكذيبهم ، وما صلبوه بل صانه الله وحماه وحفظه ، وكان أكرم على الله وأوجه عنده من أن يبتليه بما تقولون أنتم ، قاتلكم الله ، واليهود لعنهم الله ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية