الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 160 ] باب ما جاء في كراهية القزع والرخصة في حلق الرأس

                                                                                                                                            151 - ( عن نافع عن ابن عمر قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع ، فقيل لنافع : ما القزع ؟ قال : أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه وذكر أبو داود في سننه بعد ذكره تفسير القزع بمثل ما في المتن تفسيرا آخر فقال { : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة } وهذا لا يتم لأنه قد أخرج أبو داود نفسه من حديث أنس بن مالك قال { : كانت لي ذؤابة فقالت لي أمي : لا أجزها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدها ويأخذ بها } وفسر القزع في القاموس بحلق رأس الصبي وترك مواضع منه متفرقة غير محلوقة تشبيها بقزع السحاب ، بعد أن ذكر أن القزع قطع من السحاب الواحدة بهاء .

                                                                                                                                            وقال في شرح مسلم بعد أن ذكر تفسير ابن عمر : وهذا الذي فسره به نافع وعبيد الله هو الأصح قال : والقزع : حلق بعض الرأس مطلقا ، ومنهم من قال : هو حلق مواضع متفرقة منه ، والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي ، وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به ، وفي البخاري في تفسير القزع قال : فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه ، وقال : إذا حلق رأس الصبي ترك ههنا شعر وههنا شعر قال عبيد الله : أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما ، وكل خصلة من الشعر قصة سواء كانت متصلة بالرأس أو منفصلة ، والمراد بها هنا شعر الناصية يعني أن حلق القصة وشعر القفا خاصة لا بأس به . وقال : النووي : المذهب كراهيته مطلقا كما سيأتي .

                                                                                                                                            وأخرج أبو داود من حديث أنس قال { : كان لي ذؤابة فقالت أمي : لا أجزها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمدها ويأخذ بها } .

                                                                                                                                            وأخرج النسائي بسند صحيح عن زياد بن حصين عن أبيه أنه { أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده على ذؤابته وسمت عليه ودعا له } .

                                                                                                                                            ومن حديث ابن مسعود وأصله في الصحيحين قال { : قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لمع الغلمان له ذؤابتان } ويمكن الجمع بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما انفرد من الشعر فيرسل ، ويجمع ما عداها بالضفر وغيره ، والتي تمنع أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة ، وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع انتهى من الفتح .

                                                                                                                                            والحديث يدل على المنع من القزع قال النووي : وأجمع العلماء على كراهة القزع كراهة تنزيه ، وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقا ، وقال بعض أصحابه : لا بأس به للغلام ، ومذهبنا كراهته مطلقا للرجل والمرأة لعموم الحديث ، قال العلماء : والحكمة في كراهته أنه يشوه الخلق ; وقيل : لأنه [ ص: 161 ] زي أهل الشرك . وقيل : لأنه زي اليهود ، وقد جاء هذا مصرحا به في رواية لأبي داود انتهى ، ولفظه في سنن أبي داود أن الحجاج بن حسان قال : ( دخلنا على أنس بن مالك فحدثتني أختي المغيرة قالت : وأنت يومئذ غلام ولك قرنان أو قصتان فمسح رأسك وبرك عليك وقال احلقوا هذين أو قصوهما فإن هذا زي اليهود )

                                                                                                                                            152 - ( وعن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك ، وقال : احلقوا كله أو ذروا كله } رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح ) . قال المنذري : وأخرجه مسلم بالإسناد الذي أخرجه أبو داود ولم يذكر لفظه وذكر أبو مسعود الدمشقي في تعليقه أن مسلما أخرجه بهذا اللفظ .

                                                                                                                                            والحديث يدل على المنع من حلق بعض الرأس وترك بعضه ، وقد سبق الكلام عليه في الذي قبله وهو مؤيد لتفسير القزع بما فسره به ابن عمر في الحديث السابق ، وفيه دليل على جواز حلق الرأس جميعه قال الغزالي : لا بأس به لمن أراد التنظيف وفيه رد على من كرهه لما رواه الدارقطني في الإفراد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة } ولقول عمر لضبيع : لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف .

                                                                                                                                            ولحديث الخوارج إن سيماهم التحليق ، قال أحمد : إنما كرهوا الحلق بالموسى أما بالمقراض فليس به بأس لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق .

                                                                                                                                            153 - ( وعن عبد الله بن جعفر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم ، فقال : لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا لي بني أخي ، قال : فجيء بنا كأننا أفرخ فقال : ادعوا لي الحلاق قال : فجيء بالحلاق فحلق رءوسنا . } رواه أحمد وأبو داود والنسائي ) الحديث إسناده حسن ، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري لذلك ، ورجال إسناده عند أبي داود ثقات وأما عند النسائي فشيخه فيه مقال والبقية ثقات .

                                                                                                                                            قوله : ( كأننا أفرخ ) جمع فرخ وهو صغير ولد الطير . ووجه التشبيه أن شعرهم يشبه زغب الطير وهو أول ما يطلع من ريشه . والحديث يدل على أن الكبير من أقارب الأطفال يتولى أمرهم وينظر في مصالحهم وهو يدل على الترخيص في حلق جميع الرأس ، ولكن في حق الرجال ، [ ص: 162 ] وأما النساء فقد أخرج النسائي من حديث علي رضي الله عنه قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها } ويدل على الترخيص للرجال أيضا الحديث الذي قبل هذا لأنه أمر بحلقه كله أو تركه كله .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية