الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وهما سنتان ومن أصحابنا من قال : هما [ فرض ] من فروض الكفاية ، فإن اتفق أهل بلد أو [ أهل ] صقع على تركها قوتلوا عليه ; لأنه من شعائر الإسلام فلا يجوز تعطيله ، وقال أبو علي بن خيران وأبو سعيد الإصطخري هو سنة إلا في الجمعة فإنه من فرائض الكفاية فيها ، لأنها لما اختصت الجمعة بوجوب الجماعة اختصت بوجوب الدعاء إليها والمذهب الأول ; لأنه دعاء إلى الصلاة فلم تجب ، كقوله : الصلاة جامعة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الصقع بضم الصاد ، الناحية والكورة ، ويقال : صقع وسقع وزقع بالصاد والسين والزاي ثلاث لغات ، وقوله : الصلاة جامعة بنصبهما الصلاة على الإغراء ، وجامعة على الحال ، وقوله : دعاء إلى الصلاة فلم تجب كقوله : الصلاة جامعة ، يعني حيث تشرع الصلاة جامعة كالعيد والكسوف وهذا القياس ضعيف ، ; لأنه ليس في قوله : الصلاة جامعة شعار ظاهر بخلاف الأذان . وقوله ( شعائر الإسلام ) هي جمع شعيرة بفتح الشين ، قال أهل اللغة والمفسرون : هي متعبدات الإسلام ومعالمه الظاهرة مأخوذة من شعرت ، أي علمت ، فهي ظاهرات معلومات . ( أما حكم المسألة ) ففي الأذان والإقامة ثلاثة أوجه كما ذكر المصنف أصحها أنهما سنة ، والثاني فرض كفاية ، والثالث فرض كفاية في الجمعة ، سنة في غيرها ، وهو قول ابن خيران والإصطخري كما ذكره المصنف وغيره ، وحكاه السرخسي عن أحمد السياري من أصحابنا ، ومما احتجوا به لكونهما [ ص: 89 ] سنة قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيء صلاته : افعل كذا وكذا ، ولم يذكرهما مع أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء واستقبال القبلة وأركان الصلاة . قال أصحابنا : فإن قلنا : فرض كفاية فأقل ما يتأدى به الفرض أن ينتشر الأذان في جميع أهل ذلك المكان ، فإن كانت قرية صغيرة بحيث إذا أذن واحد سمعوا كلهم سقط الفرض بواحد ، وإن كان بلدا كبيرا وجب أن يؤذن في كل موضع واحد بحيث ينتشر الأذان في جميعهم ، فإن أذن واحد فحسب سقط الحرج عن الناحية التي سمعوه دون غيرهم . قال صاحب الإبانة : ويسقط فرض الكفاية بالأذان لصلاة واحدة في كل يوم وليلة ولا يجب لكل صلاة ، وحكى إمام الحرمين هذا عنه ولم يحك عن غيره وقال : لم أر لأصحابنا إيجابه لكل صلاة ، قال : ودليله أنه إذا حصل مرة في كل يوم وليلة لم تندرس الشعار ، واقتصر الغزالي في البسيط على ما ذكره صاحب الإبانة وهذا الذي ذكروه خلاف ظاهر كلام جمهور أصحابنا ، فإن مقتضى كلامهم وإطلاقهم أنه إذا قيل : إنه فرض كفاية وجب لكل صلاة ، وهذا هو الصواب تفريعا على قولنا فرض كفاية ; لأنه المعهود ، ولا يحصل الشعار إلا به ، وإذا قلنا الأذان سنة حصلت بما يحصل به إذا قلنا فرض كفاية . قال أصحابنا : فإن قلنا : فرض كفاية فاتفق أهل بلد أو قرية على تركه وطولبوا به فامتنعوا وجب قتالهم كما يقاتلون على ترك غيره من فروض الكفاية . وإن قلنا : هو سنة فتركوه فهل يقاتلون ؟ فيه وجهان مشهوران في كتب العراقيين ، وذكرهما قليلون من الخراسانيين ، ( الصحيح ) منهما لا يقاتلون كما لا يقاتلون على ترك سنة الظهر والصبح وغيرهما ، ( الثاني ) : يقاتلون ; لأنه شعار ظاهر بخلاف سنة الظهر . قال إمام الحرمين قال الأصحاب : لا يقاتلون . وقال أبو إسحاق المروزي يقاتلون وهو باطل لا أصل له ، وهو رجوع إلى أنه فرض كفاية وإلا فلا قتال على ترك السنة ، هكذا قاله إمام الحرمين وابن الصباغ [ ص: 90 ] والشاشي وآخرون ، قال الإمام وإذا قلنا : إنه فرض كفاية في الجمعة خاصة فوجهان ( أحدهما ) لا يسقط الفرض إلا بأذان يفعل بين يدي الخطيب . ( والثاني ) : يسقط بأن يؤتى به لصلاة الجمعة وإن لم يكن بين يديه ، واتفقوا على أنه لا يسقط بأذان يفعل في يوم الجمعة لغير صلاة الجمعة ، وقال الإمام والقول في الإقامة كالقول في الأذان في جميع ما ذكرناه . ( فرع ) في مذاهب العلماء في الأذان والإقامة مذهبنا المشهور أنهما سنة لكل الصلوات في الحضر والسفر للجماعة والمنفرد لا يجبان بحال . فإن تركهما صحت صلاة المنفرد والجماعة ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه ونقله السرخسي عن جمهور العلماء وقال ابن المنذر هما فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر قال : وقال مالك تجب في مسجد الجماعة ، وقال عطاء والأوزاعي إن نسي الإقامة أعاد الصلاة ، وعن الأوزاعي - رواية - أنه يعيد ما دام الوقت باقيا قال العبدري : هما سنة عند مالك وفرضا كفاية عند أحمد وقال داود هما فرض لصلاة الجماعة وليسا بشرط لصحتها ، وقال مجاهد إن نسي الإقامة في السفر أعاد ، وقال المحاملي قال أهل الظاهر : هما واجبان لكل صلاة واختلفوا في اشتراطهما لصحتها




                                      الخدمات العلمية