الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم يحشرهم منصوب بمضمر، وقرئ بالنون على الالتفات، أي: اذكر لهم أو أنذرهم يوم يحشرهم كأن لم يلبثوا أي: كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من النهار أي: شيئا قليلا منه، فإنها مثل في غاية القلة، وتخصيصها بالنهار؛ لأن ساعاته أعرف حالا من ساعات الليل، والجملة في موقع الحال من ضمير المفعول، أي: يحشرهم مشبهين في أحوالهم الظاهرة للناس بمن لم يلبث في الدنيا ولم يتقلب في نعيمها إلا ذلك القدر اليسير، فإن من أقام بها دهرا وتمتع بمتاعها لا يخلو عن بعض آثار نعمة وأحكام بهجة منافية لما بهم من رثاثة الهيئة، وسوء الحال، أو بمن لم يلبث في البرزخ إلا ذلك المقدار، ففائدة التقييد بيان كمال يسر الحشر بالنسبة إلى قدرته تعالى، ولو بعد دهر طويل، وإظهار بطلان استبعادهم وإنكارهم بقولهم: (أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون) ونحو ذلك، أو بيان تمام الموافقة بين النشأتين في الأشكال والصور، فإن قلة اللبث في البرزخ من موجبات عدم التبدل والتغير، فيكون قوله عز وعلا: يتعارفون بينهم بيانا وتقريرا له؛ لأن التعارف مع طول العهد ينقلب تناكرا، وعلى الأول يكون استئنافا، أي: يعرف بعضهم بعضا، كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا، وذلك أول ما خرجوا من القبور إذ هم حينئذ على ما كانوا عليه من الهيئة المتعارفة فيما بينهم، ثم ينقطع التعارف بشدة الأهوال المذهلة واعتراء الأحوال المعضلة المغيرة للصور والأشكال المبدلة لها من حال إلى حال.

                                                                                                                                                                                                                                      قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله شهادة من الله سبحانه وتعالى على خسرانهم وتعجب منه، وقيل: حال من ضمير (يتعارفون) على إرادة القول، والتعبير عنهم بالموصول - مع كون المقام مقام إضمار - لذمهم بما في حيز الصلة، والإشعار بعليته لما أصابهم.

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد "بلقاء الله" إن كان مطلق الحساب والجزاء، أو حسن اللقاء، فالمراد بالخسران الوضيعة، والمعنى: وضعوا في تجاراتهم ومعاملاتهم واشترائهم الكفر بالإيمان والضلالة بالهدى، ومعنى قوله تعالى: وما كانوا مهتدين ما كانوا عارفين بأحوال التجارة مهتدين لطرقها، وإن كان سوء اللقاء فالخسار الهلاك والضلال، أي: قد ضلوا وهلكوا بتكذيبهم، وما كانوا مهتدين إلى طريق النجاة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية