الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما وصف القرآن العظيم بالشفاء وما معه المقتضي لاستقامة المناهج وسداد الشرائع ووضوح المذاهب، وأشار إلى أن العاقل ينبغي له أن يخصه بالفرح لبقاء آثاره وما يدعو إليه وزهده فيما يجمعون لفنائه ولأنه يدعو إلى رذائل الأخلاق فيحط من أوج المعالي، أشار إلى أنهم كما خبطوا في الفرح فخصوه بما يفنى معرضين عما يبقى فكذلك خبطوا في طريق الجمع فوعدوها على أنفسهم بأن حرموا بعض ما أحله، فمنعوا أنفسهم ما هم به فرحون دون أمر من الله تعالى فنقصوا بذلك حظهم في الدنيا بهذا المنع وفي الآخرة بكذبهم على ربهم في تحريمه حيث جعلوه شرعا مرضيا وهو في غاية الفساد والبعد عن الصواب والقصور عن مراقي السداد فقال تعالى: قل أي: لهؤلاء الذين يستهزئون بك استهزاء قاضيا عليهم بأنهم لا عقول لهم مستهزئا بهم وموبخا لهم توبيخا هو في أحكم مواضعه، وساقه على طريق السؤال بحيث أنهم [ ص: 148 ] لا يقدرون على الجواب أصلا بغير الإقرار بالافتراء فقال: أرأيتم أي: أخبروني، وعبر عن الخلق بالإنزال تنبيها على أنه شيء لا يمكن ادعاؤه لأصنامهم لنزول أسبابه من موضع لا تعلق لهم به بوجه فقال: ما أنـزل الله أي الذي له صفات \ الكمال التي منها الغنى المطلق لكم أي: خاصا بكم من رزق أي: أي رزق كان فجعلتم منه أي: ذلك الرزق الذي خصكم به حراما وحلالا على النحو الذي تقدم في الأنعام وغيرها قصته وبيان فساده على أنه جلي الفساد ظاهر العوج; ثم ابتدأ أمرا آخر تأكيدا للإنكار عليهم فقال: قل أي: من أذن لكم في ذلك؟ آلله أي الملك الأعلى أذن لكم فتوضحوا المستند به أم لم يأذن لكم فيه مع نسبتكم إياه إليه لأنكم فصلتموه إلى حرام وحلال ولا محلل ومحرم إلا الله، فأنتم على الله أي المحيط بكل شيء عظمة وعلما تفترون مع نسبتكم الافتراء إلي في هذا القرآن الذي أعجز الأفكار، والشرع الذي بهر العقول وادعائكم أنكم أبعد الناس عن مطلق الكذب وأطهرهم ذيولا منه، وتقديم الجار للإشارة إلى زيادة التشنيع عليهم من حيث إنهم أشد الناس تبرؤا من الكذب وقد خصوا الله - على تقدير التسليم لهم - بأن تعمدوا الكذب عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية