الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى

                                                                                                                                                                                                قفاه بقصة موسى -عليه السلام- ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد ؛ حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود ، يجوز أن ينتصب : " إذ" ظرفا للحديث ؛ لأنه حدث ، أو لمضمر ، أي : حين "رأى نارا " : كان كيت وكيت ، أو مفعولا لاذكر استأذن موسى شعيبا -عليهما السلام- في الخروج إلى أمه [ ص: 69 ] وخرج بأهله ، فولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة ، وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته وماء عنده ، وقدح فصلد زنده ، فرأى النار عند ذلك ، قيل : كانت ليلة جمعة ، "امكثوا " : أقيموا في مكانكم ، الإيناس : الإبصار البين الذي لا شبهة فيه ، ومنه إنسان العين ؛ لأنه يتبين به الشيء ، والإنس : لظهورهم ، كما قيل : الجن لاستتارهم ، وقيل : هو إبصار ما يؤنس به ؛ لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعا متيقنا ، حققه لهم بكلمة : "إن" ليوطن أنفسهم ، ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين ، بني الأمر فيهما على الرجاء والطمع وقال "لعلي" ولم يقطع فيقول : إني "آتيكم" لئلا يعد ما ليس بمستيقن الوفاء به ، القبس : النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما ، ومنه قيل : المقبسة ، لما يقتبس فيه من سعفة أو نحوها ، "هدى" أي : قوما يهدونني الطريق أو ينفعونني بهداهم في أبواب الدين ، عن مجاهد وقتادة ؛ وذلك لأن أفكار الأبرار مغمورة بالهمة الدينية في جميع أحوالهم لا يشغلهم عنها شاغل ، والمعنى : ذوي هدى ، أو إذا وجد الهداة فقد وجد الهدى ، ومعنى الاستعلاء في : على النار : أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها ، كما قال سيبويه في مررت بزيد : إنه لصوق يقرب من زيد ، أو لأن المصطلين بها والمستمتعين بها إذا تكنفوها قياما وقعودا كانوا مشرفين عليها ؛ ومنه قول الأعشى [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                وبات على النار الندى والمحلق



                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية