الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 392 ] 140 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام فيمن اطلع على رجل في منزله بغير إذنه هل له فقء عينه لذلك أم لا ؟

932 - حدثنا بكار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لو اطلع عليك رجل فخذفته ففقأت عينه ما كان عليك جناح } .

ففي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفي الجناح عن من خذف رجلا قد اطلع عليه في منزله ففقأ بذلك عينيه إذ كان من حقه قطعه الاطلاع على منزله والنظر إلى ما فيه مما لا يحل لأحد النظر إليه .

933 - حدثنا يونس ، حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد سمعه يقول : { اطلع رجل من جحر في حجرة النبي عليه السلام ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك ، إنما جعل [ ص: 393 ] الاستئذان من أجل النظر } .

934 - حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب أن سهل بن سعد أخبره ... ثم ذكر مثله .

935 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد { أن رجلا اطلع في جحر في باب النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحك رأسه بالمدرى ، فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت في عينك ، إنما جعل الإذن من أجل الإبصار } .

ففي هذا إطلاق ما في الأول للمطلع عليه من المطلع عليه .

936 - حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من اطلع في بيت قوم [ ص: 394 ] بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه } .

937 - حدثنا فهد ، حدثنا موسى بن إسماعيل المنقري ، حدثنا أبان بن يزيد ، حدثنا يحيى وهو ابن أبي كثير : أن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدثه عن أنس { أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقم عينيه خصاصة الباب ، فبصر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ سهما أو عودا محددا وجاء به ليفقأ عين الأعرابي ، فانقمع الأعرابي وذهب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو ثبت لفقأت عينك } .

938 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا حماد ، عن عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس { أن رجلا اطلع في بعض حجر النبي عليه السلام ، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص ، أو قال بمشاقص ، قال أنس : وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله ليطعنه } .

[ ص: 395 ] وفيما روينا من هذه الآثار ما قد دل أنه لما كان من صاحب المنزل ترك الاطلاع إلى منزله كان له قطع ذلك عن منزله ، وإن كان في قطعه إياه عنه تلف عين المطلع عليه ، وكان من كان له أن يفعل شيئا ففعله معقولا أن لا ضمان عليه فيه .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفيه وجوب ضمان في ذلك على من فعله لمن فعله به من قصاص ومن دية .

939 - كما حدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام قال : { من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية ولا قصاص } .

940 - وكما حدثنا أبو أمية ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، [ ص: 396 ] حدثنا معاذ بن هشام ... ثم ذكر بإسناده مثله .

وهذه الروايات قد جاءت بما فيها مما ذكرناه مجيئا متواترا يشد بعضه بعضا ، ولم نجد استعمال فقهاء الأمصار لها كذلك ، وكان قطع نظر المطلع إلى بيت غيره بغير أمره ، عن نظره إلى ما في بيته مما قد يقدر عليه بالزجر باللسان والوعيد بالأقوال ، فاحتمل أن يكون تارك ذلك ومتجاوزه إلى فقء عين الناظر يوجب الضمان عليه في فقئه إياها .

فنظرنا في ذلك فوجدنا جهاد العدو واجبا علينا ، فكنا إذا فعلناه بدعاء منا العدو إلى ما نقاتلهم عليه متقدما لقتالنا إياهم كان حسنا ، ولو قاتلناهم بغير دعاء منا إليهم إلى ذلك لعلمنا أنهم قد علموا ما ندعوهم إليه وما نقاتلهم عليه كنا غير ملومين في ذلك وغير ضامنين لما نصيبه منهم فيه من أنفسهم ومن أموالهم ومن أولادهم ، فكان مثل ذلك عندنا - والله أعلم - أمر هذا المطلع في بيت من اطلع في بيته إن دعوناه إلى ما يحاوله منه وأعلمناه أنه إن لم ينزجر عن ما هو عليه أنا فاعلوه به كان حسنا وإن لم نفعل ذلك به واستعملنا فيه ما في هذه الآثار التي رويناها لعلمنا أنه يعلم ما نريده منه من انزجاره عن ما هو عليه من الاطلاع إلى ما يطلع إليه مما هو حرام عليه كان جائزا لنا .

ومثل ذلك المرتد عن الإسلام إلى الكفر إن استتبناه قبل أن نقتله كان حسنا ، وإن قتلناه بلا استتابة منا إياه لعلمنا أنه يعلم ما نريده باستتابتنا إياه منه كان جائزا .

[ ص: 397 ] وهذا الذي ذكرناه في هذه الآثار من نفي قصاص ومن نفي الدية عن الفاقئ لعين المطلع الذي ذكرنا من ما لا يسع خلافه ولا القول بغيره لما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، ثم ما يدل عليه من المعقول ومن النظر الصحيح .

وقد روي هذا القول الذي اجتبينا عن عمر : كما حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، حدثنا أشعث بن عبد الملك ، عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : من اطلع على قوم فأصابوه بجراحة فلا دية له .

التالي السابق


الخدمات العلمية