الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الرابع والثلاثون : معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه

هذا فن مهم مستصعب‏ . ‏

روينا عن ‏الزهري - رضي الله عنه - أنه قال : " أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله [ ص: 277 ] - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه‏ " . ‏

وكان ‏للشافعي‏ - رضي الله عنه - فيه يد طولى وسابقة أولى‏ . ‏

روينا عن‏ ‏محمد بن مسلم بن وارة‏ ، أحد أئمة الحديث أن ‏أحمد بن حنبل‏ قال له ، وقد قدم من مصر‏ : " كتبت كتب الشافعي ؟ " فقال‏ : لا‏ ، قال : " فرطت ، ما علمنا المجمل من المفسر ، ولا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه حتى جالسنا ‏الشافعي‏ ‏‏ " . ‏

وفيمن عاناه من أهل الحديث من أدخل فيه ما ليس منه لخفاء معنى النسخ وشرطه‏ . ‏

وهو‏ عبارة عن رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخرا‏ . ‏

وهذا حد - وقع لنا - سالم من اعتراضات وردت على غيره‏ . ‏

ثم إن ناسخ الحديث ومنسوخه ينقسم أقساما‏ :

فمنها‏ : ما يعرف بتصريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به ، كحديث بريدة الذي أخرجه‏ ‏مسلم‏ في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ‏كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها‏ " في أشباه لذلك‏ . ‏

ومنها ما يعرف بقول الصحابي ، كما رواه ‏الترمذي وغيره ، عن ‏أبي بن كعب‏ أنه قال : " كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ، ثم نهي عنها‏ " . ‏

وكما خرجه ‏النسائي عن ‏جابر بن عبد الله قال : [ ص: 278 ] " كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار‏ " . ‏ في أشباه لذلك‏ . ‏

ومنها‏ : ما عرف بالتاريخ ، كحديث ‏شداد بن أوس‏ وغيره‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ‏أفطر الحاجم والمحجوم‏ " ، وحديث ‏ابن عباس ‏‏ " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم‏ " . ‏

بين ‏الشافعي ‏‏ أن الثاني ناسخ للأول ، من حيث إنه روي في حديث ‏شداد‏ ‏‏ أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - زمان الفتح ، فرأى رجلا يحتجم في شهر رمضان ، فقال‏ : " أفطر الحاجم والمحجوم‏ ‏‏ " . ‏ وروي في حديث ‏ابن عباس " أنه - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم صائم‏ " . ‏ فبان بذلك‏ : أن الأول كان زمن الفتح في سنة ثمان ، والثاني في حجة الوداع في سنة عشر . ‏

ومنها‏ : ما يعرف بالإجماع ، كحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة ، فإنه منسوخ ، عرف نسخه بانعقاد الإجماع على ترك العمل به‏ ، والإجماع لا ينسخ ولا ينسخ ، ولكن يدل على وجود ناسخ غيره ، والله أعلم بالصواب‏ . ‏

التالي الفهرس السابق

التالي السابق


الخدمات العلمية