الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الربا باب الطعام بالطعام

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ، ثم قال حتى تأتي خازنتي أو خازني .

( قال الشافعي ) : أنا شككت بعدما قرأته عليه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع فقال عمر لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا ، إلا هاء وهاء } أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تبيعوا [ ص: 15 ] الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم } قال ونقص أحدهما التمر أو الملح .

( قال الشافعي ) : رحمه الله وبهذا نأخذ وهو موافق للأحاديث في الصرف وبهذا تركنا قول من روى أن لا ربا إلا في نسيئة وقلنا الربا من وجهين في النسيئة والنقد وذلك أن الربا منه يكون في النقد بالزيادة في الكيل والوزن ويكون في الدين بزيادة الأجل ، وقد يكون مع الأجل زيادة في النقد ( قال ) : وبهذا نأخذ والذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل في بعضه على بعضه يدا بيد ، الذهب والورق والحنطة والشعير والتمر والملح ( قال ) : والذهب والورق مباينان لكل شيء ; لأنهما أثمان كل شيء ولا يقاس عليهما شيء من الطعام ولا من غيره .

( قال الشافعي ) : رحمه الله فالتحريم معهما من الطعام من مكيل كله مأكول ( قال ) : فوجدنا المأكول إذا كان مكيلا فالمأكول إذا كان موزونا في معناه ; لأنهما مأكولان معا وكذلك إذا كان مشروبا مكيلا أو موزونا ; لأن الوزن أن يباع معلوما عند البائع والمشتري كما كان الكيل معلوما عندهما بل الوزن أقرب من الإحاطة لبعد تفاوته من الكيل فلما اجتمعا في أن يكونا مأكولين ومشروبين وبيعا معلوما بمكيال أو ميزان كان معناهما معنى واحدا فحكمنا لهما حكما واحدا ، وذلك مثل حكم الذهب والفضة ; لأن مخرج التحريم والتحليل في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والنوى فيه ; لأنه لا إصلاح له إلا به والملح واحد لا يختلف ولا نخالف في شيء من أحكام ما نصت السنة من المأكول غيره وكل ما كان قياسا عليها مما هو في معناها وحكمه حكمها لم نخالف بين أحكامها وكل ما كان قياسا عليها مما هو في معناها حكمنا .

[ ص: 16 ] له حكمها من المأكول والمشروب والمكيل والموزون وكذلك في معناها عندنا والله أعلم ، كل مكيل ومشروب ، بيع عددا ، ; لأنا وجدنا كثيرا منها يوزن ببلدة ولا يوزن بأخرى ووجدنا عامة الرطب بمكة إنما يباع في سلال جزافا ، ووجدنا عامة اللحم إنما يباع جزافا ووجدنا أهل البدو إذا تبايعوا لحما أو لبنا لم يتبايعوه إلا جزافا وكذلك يتبايعون السمن والعسل والزبد وغيره ، وقد يوزن عند غيرهم ولا يمتنع من الوزن والكيل في بيع من باعه جزافا وما بيع جزافا أو عددا فهو في معنى الكيل والوزن من المأكول والمشروب عندنا والله أعلم . وكل ما يبقى منه ويدخر وما لا يبقى ولا يدخر سواء لا يختلف ، فلو نظرنا في الذي يبقى منه ويدخر ففرقنا بينه وبين ما لا يبقى ولا يدخر وجدنا التمر كله يابسا يبقى غاية ووجدنا الطعام كله لا يبقى ذلك البقاء ووجدنا اللحم لا يبقى ذلك البقاء ووجدنا اللبن لا يبقى ولا يدخر ، فإن قال قد يوقط قيل وكذلك عامة الفاكهة الموزونة قد تيبس وقشر الأترج بما لصق فيه ييبس وليس فيما يبقى ، ولا يبقى معنى يفرق بينه إذا كان مأكولا ومشروبا فكله صنف واحد والله أعلم وما كان غير مأكول ولا مشروب لتفكه ولا تلذذ مثل الأسبيوش والثفاء والبزور كلها ، فهي ، وإن أكلت غير .

[ ص: 17 ] معنى القوت فقد تعد مأكولة ومشروبة وقياسها على المأكول القوت أولى من قياسها على ما فارقه مما يستمتع به لغير الأكل ثم الأدوية كلها إهليلجها وإيليلجها وسقمونيها وغاريقونها يدخل في هذا المعنى والله أعلم .

( قال ) : ووجدنا كل ما يستمتع به ليكون مأكولا أو مشروبا يجمعه أن المتاع به ليؤكل أو يشرب ووجدنا يجمعه أن الأكل والشرب للمنفعة ووجدنا الأدوية تؤكل وتشرب للمنفعة بل منافعها كثيرة أكثر من منافع الطعام فكانت أن تقاس بالمأكول والمشروب أولى من أن يقاس بها المتاع لغير الأكل من الحيوان والنبات والخشب وغير ذلك فجعلنا للأشياء أصلين أصل مأكول فيه الربا وأصل متاع لغير المأكول لا ربا في الزيادة في بعضه على بعض فالأصل في المأكول والمشروب إذا كان بعضه ببعض كالأصل في الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم ، وإذا كان منه صنف بصنف غيره فهو كالدنانير بالدراهم والدراهم بالدنانير لا يختلف إلا بعلة وتلك العلة لا تكون في الدنانير والدراهم بحال وذلك أن يكون الشيء منه رطب بيابس منه وهذا لا يدخل الذهب ولا الورق أبدا ( قال ) : ، فإن قال قائل كيف فرقتم بين الذهب والورق وبين المأكول في هذه الحال ؟ قلت الحجة فيه ما لا حجة معه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز أن تقيس شيئا بشيء مخالف له فإذا كانت الرطوبة موجودة في غير الذهب والفضة فلا يجوز أن يقاس شيء بشيء في الموضع الذي يخالفه ، فإن قال قائل فأوجدنا [ ص: 18 ] السنة فيه قيل إن شاء الله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال له سعد أيتهما أفضل ؟ فقال البيضاء فنهى عن ذلك وقال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس ؟ فقالوا نعم فنهى عن ذلك } .

( قال ) : ففي هذا الحديث رأي سعد نفسه أنه كره البيضاء بالسلت ، فإن كان كرهها بسنة فذلك موافق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ ولعله إن شاء الله كرهها لذلك ، فإن كان كرهها متفاضلة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاز البر بالشعير متفاضلا وليس في قول أحد حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو القياس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ( قال ) : وهكذا كل ما اختلفت أسماؤه وأصنافه من الطعام فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة كالدنانير بالدراهم لا يختلف هو ، وهي وكذلك زبيب بتمر وحنطة بشعير وشعير بسلت وذرة بأرز وما اختلف أصنافه من المأكول أو المشروب ، هكذا كله وفي حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 19 ] دلائل منها أنه سأل أهل العلم بالرطب عن نقصانه فينبغي للإمام إذا حضره أهل العلم بما يرد عليه أن يسألهم عنه وبهذا صرنا إلى قيم الأموال بقول أهل العلم والقبول من أهلها ، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نظر في معتقب الرطب فلما كان ينقص لم يجز بيعه بالتمر ; لأن التمر من الرطب إذا كان نقصانه غير محدود وقد حرم أن يكون التمر بالتمر إلا مثلا بمثل وكانت فيها زيادة بيان النظر في المعتقب من الرطب فدلت على أنه لا يجوز رطب بيابس من جنسه لاختلاف الكيلين وكذلك دلت على أنه لا يجوز رطب برطب ; لأنه نظر في البيوع في المعتقب خوفا من أن يزيد بعضها على بعض فهما رطبان معناهما معنى واحد فإذا نظر في المعتقب فلم يجز رطب برطب ; لأن الصفقة وقعت ولا يعرف كيف يكونان في المعتقب وكان بيعا مجهولا الكيل بالكيل ولا يجوز الكيل ولا الوزن بالكيل والوزن من جنسه إلا مثلا بمثل

التالي السابق


الخدمات العلمية