الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون " قال ابن عباس : هذا وعيد للظالم ، وتعزية للمظلوم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 370 ] قوله تعالى : " إنما يؤخرهم " وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو رزين ، وقتادة ، " نؤخرهم " بالنون ، أي : يؤخر جزاءهم " ليوم تشخص فيه الأبصار " أي : تشخص أبصار الخلائق لظهور الأحوال فلا تغتمض .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " مهطعين " فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أن الإهطاع : النظر من غير أن يطرف الناظر ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والضحاك ، وأبو الضحى .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه الإسراع ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وأبو عبيدة . وقال ابن قتيبة : يقال : أهطع البعير في سيره ، واستهطع : إذا أسرع .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي ما أسرعوا إليه قولان : أحدهما : إلى الداعي ، قاله قتادة . والثاني : إلى النار ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أن المهطع : الذي لا يرفع رأسه ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله : " مقنعي رءوسهم " قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : رافعي رؤوسهم ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وأبو عبيدة ، وأنشد أبو عبيدة :


                                                                                                                                                                                                                                      أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئا أطمعا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن قتيبة : المقنع رأسه : الذي رفعه وأقبل بطرفه على ما بين يديه . وقال الزجاج : رافعي رؤوسهم ، ملتصقة بأعناقهم . و " مهطعين مقنعي رءوسهم " نصب على الحال ، المعنى : ليوم تشخص فيه أبصارهم مهطعين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 371 ] والثاني : ناكسي رؤوسهم ، حكاه الماوردي عن المؤرج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " لا يرتد إليهم طرفهم " أي : لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر ، فهي شاخصة . قال ابن قتيبة : والمعنى : أن نظرهم إلى شيء واحد . وقال الحسن : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء ، لا ينظر أحد إلى أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وأفئدتهم هواء " الأفئدة : مساكن القلوب .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى الكلام أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أن القلوب خرجت من مواضعها فصارت في الحناجر ، رواه عطاء عن ابن عباس . وقال قتادة : خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم ، فأفئدتهم هواء ليس فيها شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : وأفئدتهم ليس فيها شيء من الخير ، فهي كالخربة ، رواه العوفي عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : وأفئدتهم منخرقة لا تعي شيئا ، قاله مرة بن شراحبيل . وقال الزجاج : متخرقة لا تعي شيئا من الخوف .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : وأفئدتهم جوف لا عقول لها ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد لحسان :


                                                                                                                                                                                                                                      ألا أبلغ أبا سفيان عني     فأنت مجوف نخب هواء



                                                                                                                                                                                                                                      فعلى هذا يكون المعنى : أن قلوبهم خلت عن العقول ، لما رأوا من الهول . والعرب تسمي كل أجوف خاو : هواء . قال ابن قتيبة : ويقال أفئدتهم منخوبة من الخوف والجبن .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية