الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى

                                                                                                                                                                                                الونى : الفتور والتقصير ، وقرئ : "تنيا " : بكسر حرف المضارعة للإتباع ، أي : لا تنسياني ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما ، واتخذا ذكري جناحا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد مني ، معتقدين أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكري ، ويجوز [ ص: 84 ] أن يريد بالذكر : تبليغ الرسالة ؛ فإن الذكر يقع على سائر العبادات ، وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها ، فكان جديرا بأن يطلق عليه اسم الذكر ، روي : أن الله تعالى- أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى ، وقيل : سمع بمقبله . وقيل : ألهم ذلك ، قرئ : "لينا " : بالتخفيف والقول اللين ؛ نحو قوله تعالى : هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى [النازعات : 18 19 ] ، لأن ظاهره الاستفهام والمشورة ، وعرض ما فيه الفوز العظيم ، وقيل : عداه شبابا لا يهرم بعده ، وملكا لا ينزع منه إلا بالموت ، وأن تبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته ، وقيل : لا تجبهاه بما يكره ، وألطفا له في القول ؛ لما له من حق تربية موسى ، ولما ثبت له من مثل حق الأبوة ، وقيل : كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث : أبو العباس ، وأبو الوليد ، وأبو مرة ، والترجي لهما ، أي : اذهبا على رجائكما وطمعكما ، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه ، فهو يجتهد بطوقه ، ويحتشد بأقصى وسعه ، وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة ، ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك [القصص : 47 ] ، أي : يتذكر ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه والإذعان للحق ، "أو يخشى " : أن يكون الأمر كما تصفان ، فيجره إنكاره إلى الهلكة .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية