الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين .

                                                                                                                                                                                                                                      وما تكون في شأن أي: في أمر، من شأنت شأنه، أي: قصدت قصده مصدر بمعنى المفعول وما تتلو منه الضمير للشأن والظرف صفة لمصدر محذوف، أي: تلاوة كائنة من الشأن إذ هي معظم شئونه - عليه السلام - أو للتنزيل، والإضمار قبل الذكر لتفخيم شأنه و"من" ابتدائية، أو تبعيضية، أو لله - عز وجل - و(من) ابتدائية، والتي في قوله تعالى: من قرآن مزيدة لتأكيد النفي، أو ابتدائية على الوجه الأول، وبيانية أو تبعيضية على الثاني والثالث.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تعملون من عمل تعميم للخطاب إثر تخصيصه بمقتدى الكل، وقد روعي في كل من المقامين ما يليق به، حيث ذكر أولا من الأعمال ما فيه فخامة وجلالة، وثانيا ما يتناول الجليل والحقير.

                                                                                                                                                                                                                                      إلا [ ص: 158 ] كنا عليكم شهودا استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة، أي: ما تلابسون بشيء منها في حال من الأحوال إلا حال كوننا رقباء مطلعين عليه حافظين له إذ تفيضون فيه أي: تخوضون وتندفعون فيه، وأصل الإفاضة الاندفاع بكثرة أو بقوة، وحيث أريد بالأفعال السابقة الحالة المستمرة الدائمة المقارنة للزمان الماضي - أيضا - أوثر في الاستثناء صيغة الماضي، وفي الظرف كلمة إذ التي تفيد المضارع معنى الماضي.

                                                                                                                                                                                                                                      وما يعزب عن ربك أي: لا يبعد ولا يغيب على علمه الشامل، وفي التعرض لعنوان الربوبية من الإشعار باللطف ما لا يخفى، وقرئ بكسر الزاي من مثقال ذرة كلمة "من" مزيدة لتأكيد النفي، أي: ما يعزب عنه ما يساوي في الثقل نملة صغيرة أو هباء في الأرض ولا في السماء أي: في دائرة الوجود والإمكان، فإن العامة لا تعرف سواهما ممكنا ليس على أحدهما، أو متعلقا بهما، وتقديم الأرض لأن الكلام في حال أهلها، والمقصود إقامة البرهان على إحاطة علمه تعالى بتفاصيلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين كلام برأسه مقرر لما قبله و"لا" نافية للجنس، و(أصغر) اسمها، و(في كتاب) خبرها، وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر، و(من) عطف على لفظ (مثقال ذرة) وجعل الفتح بدل الكسر لامتناع الصرف، أو على محله مع الجار جعل الاستثناء منقطعا، كأنه قيل: لا يعزب عن ربك شيء ما لكن جميع الأشياء في كتاب مبين، فكيف يعزب عنه شيء منها، وقيل: يجوز أن يكون الاستثناء متصلا، ويعزب بمعنى: يبين ويصدر، والمعنى لا يصدر عنه تعالى شيء إلا وهو في كتاب مبين، والمراد بالكتاب المبين: اللوح المحفوظ .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية