الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 210 ] ثم دخلت سنة عشر ومائتين

فمن الحوادث فيها :

وصول نصر بن شبث إلى بغداد ، وكان المأمون قد أرسله في زمن محاربته بالطف فأذعن ، فاشترط أن لا يطأ بساطه ، فقال المأمون : لا والله حتى يطأ بساطي وما باله ينفر مني؟! فقيل : لأجل جرمه ، فقال : أتراه أعظم جرما عندي من الفضل بن الربيع ، ومن عيسى بن أبي خالد ؟! أما الفضل فأخذ قوادي وأموالي وجنودي وسلاحي وجميع ما أوصى لي أبي به ، فذهب به إلى محمد وتركني بمرو وحيدا فريدا ، وأفسد علي أخي حتى كان من أمره ما كان ، وأما عيسى فطرد خليفتي من مدينتي ، وذهب بخراجي ، وخرب دياري ، وأقعد إبراهيم خليفة . فقيل له : أما الفضل فصنيعتكم ومولاكم ، وأما عيسى فمن أهل دولتكم وله ولسلفه سابقة ، وأما نصر فلا يد له يحتمل لأجلها ، ولا لسلفه ، فقال : لا أقلع عنه حتى يطأ بساطي ، فحضره عبد الله بن طاهر حتى طلب الأمان وأقدمه على المأمون في يوم الثلاثاء لسبع خلون من صفر فأنزله مدينة المنصور ووكل به من يحفظه .

وفيها : ظهر المأمون على جماعة كانوا يسعون في البيعة لإبراهيم بن المهدي ، منهم : إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام ، الذي يقال له : [ ص: 211 ] ابن عائشة . ومحمد بن إبراهيم الإفريقي ، ومالك بن شاهين ، وفرج البغراوي ، فأمر بإبراهيم بن عائشة ، فأقيم في الحبس ثلاثة أيام [في الشمس] ، ثم ضرب بالسياط وحبس ، وضرب مالك بن شاهين وأصحابه وحبسهم ، فرفع عليهم أهل السجن أنهم يريدون أن ينقبوا السجن ، فركب المأمون بنفسه فقتلهم وصلبهم [على الجسر] .

قال أبو بكر الصولي : ركب المأمون ليلا إلى المطبق فقتل إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام المعروف بابن عائشة وصلبه ، وابن عائشة هذا أول هاشمي صلب من ولد العباس ، وزيد بن علي بن الحسين أول هاشمي صلب من ولد] علي بن أبي طالب ، وقتل مع ابن عائشة : محمد بن إبراهيم وثلاثة نفر ، وكانوا أرادوا الوثوب بالمأمون ، ثم أنزل ابن عائشة فكفن وصلى عليه ، ودفن في مقابر قريش ، ودفن الإفريقي في مقابر الخيزران ، ووجد لابن عائشة صناديق فيها كتب القواد وغيرهم إليه ، فجلس في المسجد وأحضر الصناديق وقال للناس : أنا أعلم أن فيكم البريء الذي لا اسم له في هذه الصناديق ، ومنكم الغائب والمستزيد ، وإن نظرت فيها ، لم أصف لكم ولم تصفوا إلي ، فتوبوا إلى الله . ثم أمر بإحراق الصناديق .

التالي السابق


الخدمات العلمية