الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين

ذكر الله تعالى احتجاج الكفار بمذاهبهم ليبين فساد منزعهم، وذلك أنهم جعلوا إمهال الله تعالى لهم وإنعامه عليهم -وهم يعبدون الأصنام- دليلا على أنه يرضى عبادة الأصنام دينا، وذلك كالأمر به، فنفى الله تعالى عن الكفرة أن يكون لهم علم بهذا، وليس عندهم كتاب منزل يقتضي ذلك، وإنما هم يظنون ويحدسون ويخمنون، وهذا هو الخرص والتخرص.

وقرأ جمهور الناس: "على أمة" بضم الهمزة، وهي: الملة والديانة، والآية -على هذا- تعيب عليهم التقليد، وقرأ مجاهد ، والجحدري، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "على إمة" بكسر الهمزة وهي بمعنى النعمة، ومنه قول الأعشى:


ولا الملك النعمان يوم لقيته ... بإمته يعطي القطوط ويأفق

[ ص: 541 ] ومنه قول عدي بن زيد :


ثم بعد الفلاح والملك والإ ...     مة وارتهم القبور



فالآية -على هذا المعنى- استمرار في احتجاجهم، لأنهم يقولون: وجدنا آباءنا في نعمة من الله تعالى وهم يعبدون الأصنام، فذلك دليل رضاه عنهم، وكذلك اهتدينا نحن بذلك على آثارهم، وذكر الطبري عن قوم أن "الإمة": الطريقة، من قولك: أممت كذا إمة.

ثم ضرب تعالى المثل لنبيه صلى الله عليه وسلم، وجعل له الأسوة فيمن مضى من النذر والرسل عليهم السلام، وذلك أن المترفين من قومهم -وهم أهل النعم والمال- قد قابلوهم بمثل هذه المقابلة.

وقرأ جمهور القراء: "قل أو لو"، والمعنى: فقلنا للنذير: "قل أو لو"، وقرأ ابن عامر ، وحفص عن عاصم : "قال أولو" ، ففي "قال" ضمير يعود على النذير، وباقي الآية يدل على أن: "قل" في قراءة من قرأها ليست بأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإنما هي حكاية لما قيل للنذير، وقوله تعالى: أولو هي ألف الاستفهام دخلت على واو عطفت جملة كلام على جملة متقدمة، و"لو" في هذا الموضع، كأنها شرطية بمعنى "إن"، كأن معنى الآية: وإن جئتكم بأبين وأوضح مما كان آباؤكم يصحبكم لجاجكم [ ص: 542 ] وتقليدكم؟ فأجاب الكفار حينئذ لنذرهم: إنا بما أرسلتم به كافرون .

وقوله تعالى: فانتقمنا منهم الآية..... وعيد لقريش، وضرب مثل بمن سلف من الأمم المعذبة المكذبة بأنبيائها، كما كذبت هي بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ جمهور الناس: "أو لو جئتكم"، وقرأ أبو جعفر ، وأبو شيخ [الهنائي]، وخالد: "أو لو جئناكم"، وقرأ الأعمش : "قل أو لو أتيتم" .

التالي السابق


الخدمات العلمية