الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (24) قوله تعالى : لولا أن رأى : جواب لولا : إما متقدم عليها وهو قوله : " وهم بها " عند من يجيز تقديم جواب أدوات الشرط عليها ، [ ص: 467 ] وإما محذوف لدلالة هذا عليه عند من لا يرى ذلك ، وقد تقدم تقرير المذهبين ومن عزيا إليه غير مرة كقولهم : " أنت ظالم إن فعلت " ، أي : إن فعلت فأنت ظالم ، ولا تقول : إن " أنت ظالم " هو الجواب بل دال عليه ، وعلى هذا فالوقف عند قوله : " برهان ربه " والمعنى : لولا رؤيته برهان ربه لهم بها لكنه امتنع همه بها لوجود رؤية برهان ربه ، فلم يحصل منه هم البتة كقولك : " لولا زيد لأكرمتك " فالمعنى أن الإكرام ممتنع لوجود زيد ، بهذا يتخلص من الإشكال الذي يورد وهو : كيف يليق بنبي أن يهم بامرأة ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : فإن قلت : قوله " وهم بها " داخل تحت القسم في قوله : ولقد همت به أم خارج عنه ؟ قلت : الأمران جائزان ، ومن حق القارئ إذا قصد خروجه من حكم القسم وجعله كلاما برأسه أن يقف على قوله : ولقد همت به ويبتدئ قوله : وهم بها لولا أن رأى برهان ربه وفيه أيضا إشعار بالفرق بين الهمين . فإن قلت : لم جعلت جواب " لولا " محذوفا يدل عليه " وهم بها " وهلا جعلته هو الجواب مقدما . قلت . لأن " لولا " لا يتقدم عليها جوابها من قبل أنه في حكم الشرط ، وللشرط صدر الكلام وهو [مع] ما في حيزه من الجملتين مثل كلمة واحدة ، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض ، وأما حذف بعضها إذا دل عليه الدليل فهو جائز " .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : قوله " وأما حذف بعضها " إلى آخره جواب عن سؤال مقدر وهو : فإذا كان جواب الشرط مع الجملتين بمنزلة كلمة فينبغي أن لا يحذف منهما شيء ، لأن الكلمة لا يحذف منها شيء . فأجاب بأنه يجوز إذا دل دليل على ذلك . وهو كما قال .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 468 ] ثم قال : " فإن قلت : لم جعلت " لولا " متعلقة بـ " هم بها " وحده ، ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله : ولقد همت به وهم بها ؟ لأن الهم لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني ، فلا بد من تقدير المخالطة ، والمخالطة لا تكون إلا بين اثنين معا ، فكأنه قيل : ولقد هما بالمخالطة لولا أن منع مانع أحدهما . قلت : نعم ما قلت ، ولكن الله سبحانه قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال : ولقد همت به وهم بها .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : والزجاج لم يرتض هذه المقالة ، أعني كون قوله : " لولا " متعلقة بـ " هم بها " فإنه قال : " ولو كان الكلام " ولهم بها " لكان بعيدا ، فكيف مع سقوط اللام " ؟ يعني الزجاج أنه لا جائز أن يكون " وهم بها " جوابا لـ " لولا " ؛ لأنه لو كان جوابها لاقترن باللام لأنه مثبت ، وعلى تقدير أنه كان مقترنا باللام كان يبعد من جهة أخرى وهي تقديم الجواب عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      وجواب ما قاله الزجاج ما قدمته عن الزمخشري من أن الجواب محذوف مدلول عليه بما تقدم . وأما قوله : " ولو كان الكلام " ولهم بها " فغير لازم " ؛ لأنه متى كان جواب " لو " و " لولا " مثبتا جاز فيه الأمران : اللام وعدمها ، وإن كان الإتيان باللام هو الأكثر .

                                                                                                                                                                                                                                      وتابع ابن عطية الزجاج أيضا في هذا المعنى فقال : " قول من قال : إن الكلام قد تم في قوله : ولقد همت به وإن جواب " لولا " في قوله : " وهم بها " ، وإن المعنى : لولا أن رأى البرهان لهم بها ، فلم يهم يوسف عليه السلام " قال : " وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف " أما قوله : " يرده لسان العرب " فليس كذا ؛ لأن وزان هذه الآية وزان قوله : إن كادت لتبدي به [ ص: 469 ] لولا أن ربطنا على قلبها فقوله إن كادت : إما أن يكون جوابا عند من يرى ذلك ، وإما أن يكون دالا على الجواب ، وليس فيه خروج عن كلام العرب . هذا معنى ما رد به عليه الشيخ . قلت : وكأن ابن عطية إنما يعني بالخروج عن لسان العرب تجرد الجواب من اللام على تقدير جواز تقديمه ، والغرض أن اللام لم توجد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : كذلك لنصرف في هذه الكاف أوجه أحدها : أنها في محل نصب ، فقدره الزمخشري : " مثل ذلك التثبيت ثبتناه " . وقدره الحوفي : " أريناه البراهين بذلك " وقدره ابن عطية : " جرت أفعالنا وأقدارنا كذلك لنصرف " ، وقدره أبو البقاء " نراعيه كذلك " .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن الكاف في محل رفع ، فقدره الزمخشري وأبو البقاء : " الأمر مثل ذلك " . وقدره ابن عطية " عصمته كذلك " . وقال الحوفي : " أمر البراهين كذلك " ، ثم قال : " والنصب أجود لمطالبة حروف الجر للأفعال أو معانيها " .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : همت به وهم بها كذلك ، ثم قال : " لولا أن رأى برهان ربه لنصرف عنه ما هم بها " هذا نص [ ص: 470 ] ابن عطية . وليس بشيء ، إذ مع تسليم جواز التقديم والتأخير لا معنى لما ذكره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشيخ : " وأقول إن التقدير : مثل تلك الرؤية أو مثل ذلك الرأي نري براهيننا لنصرف عنه ، فتجعل الإشارة إلى الرأي أو الرؤية ، والناصب للكاف مما دل عليه قوله : لولا أن رأى برهان ربه ولنصرف متعلق بذلك الفعل الناصب للكاف .

                                                                                                                                                                                                                                      ومصدر " رأى " رؤية ورأي . قال :


                                                                                                                                                                                                                                      2765 - ورأي عيني الفتى أباكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا "

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعمش " ليصرف " بياء الغيبة ، والفاعل هو الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : المخلصين قرأ هذه اللفظة حيث وردت إذا كانت معرفة بـ أل مكسورة اللام ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ، والباقون بفتحها ، فالكسر على اسم الفاعل ، والمفعول محذوف تقديره : المخلصين أنفسهم أو دينهم ، والفتح على أنه اسم مفعول من أخلصهم الله ، أي : اجتباهم واختارهم ، أو أخلصهم من كل سوء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الكوفيون في مريم إنه كان مخلصا بفتح اللام بالمعنى المتقدم ، والباقون بكسرها بالمعنى المتقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية