الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب جامع بيان ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء .

قال أبو عمر : " اختلف الفقهاء في هذا الباب على قولين أحدهما أن اختلاف العلماء من الصحابة ومن بعدهم من الأئمة ، رحمهم الله ، رحمة واسعة وجائز لمن نظر في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بقول من شاء منهم ، كذلك الناظر في أقاويل غيرهم من الأئمة ما لم يعلم أنه خطأ فإذا بان له أنه خطأ لخلافه نص الكتاب أو نص السنة أو إجماع العلماء لم يسعه اتباعه ، فإن لم يبن له من هذه الوجوه جاز له استعمال قوله ، وإن لم يعلم صوابه من خطئه وصار في حيز العامة التي يجوز لها أن تقلد العالم إذا سألته عن شيء وإن لم تعلم وجهه ، هذا قول يروى معناه عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه والقاسم بن محمد ، وعن سفيان الثوري إن صح عنه وقال به قوم ومن حجتهم على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :

1684 - " أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم " ، وهذا مذهب ضعيف عند جماعة من أهل العلم وقد رفضه أكثر الفقهاء وأهل النظر ونحن نبين الحجة عليهم في هذا الباب إن شاء الله تعالى على ما شرطناه من التقريب . [ ص: 899 ]

والاختصار ولا قوة إلا بالله العلي العظيم على أن جماعة من أهل الحديث متقدمين ومتأخرين يميلون إليه .

1685 - وقد نظم أبو مزاحم الخاقاني ذلك في شعر أنشدناه عبد الله بن محمد بن يوسف قال : أنشدنا يحيى بن مالك قال : أنشدنا الدعلجي قال : أنشدنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، لنفسه :


أعوذ بعزة الله السلام وقدرته من البدع العظام     أبين مذهبي فيمن أراه
إماما في الحلال وفي الحرام     كما بينت في القراء قولي
فلاح القول معتليا أمامي     فلا أعدو ذوي الآثار منهم
فهم قصدي وهم نور التمام     أقول الآن في الفقهاء قولا
على الإنصاف جد به اهتمامي     أرى بعد الصحابة تابعيهم
لذي فتياهم بهم ائتمامي     علمت إذا اعتزمت على اقتدائي
بهم أني مصيب في اعتزامي     وبعد التابعين أئمة لي
سأذكر بعضهم عند انتظام     فسفيان العراق ومالك في
احتجازهم وأوزاعي شامي     ألا وابن المبارك قدوة لي
نعم والشافعي أخو الكرام     وسام بذكرى النعمان فيهم
فنعم فتى به سامي المسامي      [ ص: 900 ] وممن ارتضي فأبو عبيد
وأرضى بابن حنبل الإمام     فآخذ من مقالهم اختياري
وما أنا بالمباهي والمسام     وأخذي باختلافهم مباح
لتوسيع الإله على الأنام     ولست مخالفا إن صح لي عن
رسول الله قولا بالكلام     إذا خالفت قول رسول ربي
خشيت عقاب رب ذي انتقام     وما قال الرسول فلا خلاف
له يا رب أبلغه سلامي



قال أبو عمر : " قد يحتمل قوله : فآخذ من مقالهم اختياري وجهين أحدهما أن يكون مذهبه في ذلك كمذهب القاسم بن محمد ومن تابعه من العلماء أن الاختلاف سعة ورحمة ، والوجه الآخر أن يكون أراد آخذ من مقالهم اختياري أي أصير من مقالهم إلى ما قام عليه الدليل فإذا بان لي صحته اخترته وهذا أولى من أن يضاف إلى أحد الأخذ بما أراده في دين الله تعالى بغير برهان ونحن نبين هذا إن شاء الله تعالى " .

التالي السابق


الخدمات العلمية