الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
حكم التفسير بالرأي

وتفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل حرام لا يجوز تعاطيه ، قال تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من قال في القرآن برأيه -أو بما لا يعلم- فليتبوأ مقعده من النار “ ، وفي لفظ : " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " .

[ ص: 343 ] ولهذا تحرج السلف عن تفسير ما لا علم لهم به ، فقد روي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال : " إنا لا نقول في القرآن شيئا “ .

وأخرج أبو عبيد القاسم بن سلام : " أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سئل عن الأب في قوله تعالى : وفاكهة وأبا ، فقال : " أي سماء تظلني ؟ وأي أرض تقلني ؟ إذا قلت في كلام الله ما لا أعلم “ .

قال الطبري : " وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا : من أن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بنصبه الدلالة عليه ، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه ، بل القائل في ذلك برأيه -وإن أصاب الحق فيه- فمخطئ فيما كان من فعله ، بقيله فيه برأيه ; لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق ، وإنما هي إصابة خارص وظان ، والقائل في دين الله بالظن ، قائل على الله ما لا يعلم ، وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده ، فقال : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون .

فهذه الآثار وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم من الكلام في التفسير بما لا علم لهم به . أما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير -ولا منافاة- لأنهم تكلموا فيما علموه ، وسكتوا عما جهلوه ، وهذا هو الواجب على كل إنسان ، ويكون الأمر أشد نكيرا لو ترك التفسير بالمأثور الصحيح وعدل عنه إلى القول برأيه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا ، بل مبتدعا ; لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه ، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم " .

[ ص: 344 ] وقال الطبري : " فأحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن -الذي إلى علم تأويله للعباد سبيل- أوضحهم حجة فيما تأول وفسر ، مما كان تأويله إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون سائر أمته ، من أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه ، أما من جهة النقل المستفيض فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض ، وأما من جهة نقل العدول الأثبات ، فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض ، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته ، وأصحهم برهانا -فيما ترجم وبين من ذلك - مما كان مدركا علمه من جهة اللسان ، إما بالشواهد من أشعارهم السائرة ، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة ، كائنا من كان ذلك المتأول والمفسر ، بعد أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك ، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة ، والخلف من التابعين وعلماء الأمة “ . "

التالي السابق


الخدمات العلمية