الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل في قاعدة متكررة في أبواب الفقه

                                                                                                                                                                        وهي أنا إذا تيقنا وجود شيء أو عدمه ، ثم شككنا في تغيره وزواله عما كان عليه ، فإنا نستصحب اليقين الذي كان ، ونطرح الشك ، فإذا شك في ترك مأمور ينجبر تركه بالسجود ، وهو الأبعاض ، فالأصل ، أنه لم يفعله ، فيسجد للسهو ، قال في ( التهذيب ) : هذا إذا كان الشك في ترك مأمور معين ، فأما إذا شك ، هل ترك مأمورا ، أم لا ؟ فلا يسجد كما لو شك : هل سها ، أم لا ؟ [ ص: 308 ] ولو شك في ارتكاب منهي ، كالسلام والكلام ناسيا ، فالأصل أنه لم يفعل ، ولا سجود . ولو تيقن السهو ، وشك هل سجد له ، أم لا ؟ فليسجد ، لأن الأصل عدم السجود . ولو شك هل سجد للسهو سجدة ، أم سجدتين ؟ سجد أخرى .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو تيقن السهو ، وشك هل هو ترك مأمور ، أو ارتكاب منهي - سجد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو شك هل صلى ثلاثا ، أم أربعا ، أخذ بالأقل ، وأتى بالباقي ، وسجد للسهو . ولا ينفعه الظن ، ولا أثر للاجتهاد في هذا الباب . ولا يجوز العمل فيه بقول غيره . وفي وجه شاذ : أنه يجوز الرجوع إلى قول جمع كثير كانوا يرقبون صلاته .

                                                                                                                                                                        وكذلك الإمام إذا قام إلى ركعة ظنها رابعة ، وعند القوم أنها خامسة ، فنبهوه ، لا يرجع إلى قولهم وفي وجه شاذ : يرجع إن كثر عددهم . واختلفوا في سبب السجود ، إذا شك : هل صلى ثلاثا ، أم أربعا ؟ فقال الشيخ أبو محمد وطائفة : المعتمد فيه الخبر ، ولا يظهر معناه . واختاره إمام الحرمين ، والغزالي . وقال القفال ، والشيخ أبو علي ، وصاحب ( التهذيب ) وآخرون : سببه : التردد في الركعة التي يأتي بها ، هل هي رابعة ، أم زائدة توجب السجود ، وهذا التردد يقتضي الجبر بالسجود .

                                                                                                                                                                        قلت : الثاني أصح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فلو زال التردد قبل السلام ، وعرف أن التي يأتي بها رابعة ، لم يسجد على الأول . وعلى الثاني : يسجد . وضبط أصحاب هذا الوجه صورة الشك وزواله فقالوا : إن كان ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله ، ما لا بد منه على كل احتمال ، فلا يسجد للسهو . فإن كان زائدا على بعض الاحتمالات سجد . مثاله : شك في قيامه في الظهر أن تلك الركعة ثالثة ، أم رابعة ؟ فركع وسجد على هذا الشك ، وهو على عزم القيام إلى ركعة أخرى أخذا باليقين ، ثم [ ص: 309 ] تذكر قبل القيام أنها ثالثة ، أو رابعة ، فلا يسجد ، لأن ما فعله على الشك لا بد منه على التقديرين . فإن لم يتذكر حتى قام ، سجد للسهو وإن تيقن أن التي قام إليها رابعة ، لأن احتمال الزيادة وكونها خامسة كان ثابتا حين قام .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو شك المسبوق ، هل أدرك ركوع الإمام ، أم لا ؟ فسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى ، لأنه لا تحسب له هذه الركعة . قال الغزالي في ( الفتاوى ) : فعلى هذا يسجد للسهو ، كما لو شك ، هل صلى ثلاثا ، أم أربعا ؟ هذا الذي قاله الغزالي ظاهر . ولا يقال : يتحمله عنه الإمام ، لأن هذا الشخص بعد سلام الإمام شاك في عدد ركعاته . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا شك في أثناء الصلاة في عدد الركعات ، أو في فعل ركن ، فالأصل : أنه لم يفعل ، فيجب البناء على اليقين ، كما تقدم . وإن وقع هذا الشك بعد السلام ، فالمذهب : أنه لا شيء عليه ، ولا أثر لهذا الشك . وقيل : فيه ثلاثة أقوال أحدها : هذا . والثاني : يجب الأخذ باليقين . فإن كان الفصل قريبا بنى . وإن طال استأنف . والثالث : إن قرب الفصل ، وجب البناء . وإن طال ، فلا شيء عليه . وأما ضبط طول الفصل ، فيحتاج إليه هنا وفيما إذا تيقن أنه ترك ركنا ، وذكره بعد السلام . وفي قدره قولان أظهرهما ، نصه في ( الأم ) : يرجع فيه إلى العرف . والثاني ، نصه في ( البويطي ) : أن الطويل ما يزيد على قدر ركعة . ولنا وجه : أن الطويل : قدر الصلاة التي هو فيها . ثم إذا جوزنا البناء ، فلا فرق بين أن يتكلم بعد السلام ، أو يخرج من المسجد ويستدبر القبلة ، وبين أن لا يفعل ذلك . ولنا وجه ضعيف : أن القدر المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ ص: 310 ] الفصل محتمل . فإن زاد ، فلا . والمنقول : أنه صلى الله عليه وسلم قام ومضى إلى ناحية المسجد ، وراجع ذا اليدين ، وسأل الجماعة ، فأجابوا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية