الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنه لا يحب المستكبرين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 28 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : إنه لا يحب المستكبرين . قال : هذا قضاء الله الذي قضى؛ أنه لا يحب المستكبرين . وذكر لنا أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله، إنه ليعجبه الجمال، حتى يود أن علاقة سوطه وقبال نعله حسن، فهل ترهب علي الكبر؟ فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " كيف تجد قلبك؟ " قال : أجده عارفا للحق مطمئنا إليه . قال : " فليس ذاك بالكبر، ولكن الكبر أن تبطر الحق وتغمص الناس، فلا ترى أحدا أفضل منك، وتغمص الحق فتجاوزه إلى غيره " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد " الزهد "، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن بن علي، أنه كان يجلس إلى المساكين ثم يقول : إنه لا يحب المستكبرين . .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن علي ، قال : ثلاث من فعلهن لم يكتب مستكبرا : من ركب الحمار ولم يستنكف، ومن اعتقل الشاة واحتلبها، وأوسع للمسكين وأحسن مجالسته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم، والبيهقي في " شعب الإيمان "، عن عياض بن حمار [ ص: 29 ] المجاشعي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله : من تواضع لي هكذا - وأشار بباطن كفه إلى الأرض وأدناها من الأرض - رفعته هكذا " - وأشار بباطن كفه إلى السماء ورفعها نحو السماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي ، والخطيب ، عن عمر، أنه قال على المنبر : يا أيها الناس، تواضعوا؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من تواضع لله رفعه الله، وقال : انتعش رفعك الله . فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس عظيم، ومن تكبر وضعه الله، وقال : اخسأ خفضك الله . فهو في أعين الناس صغير، وفي نفسه كبير، حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من آدمي إلا وفي رأسه سلسلتان؛ سلسلة في السماء وسلسلة في الأرض، فإذا تواضع العبد رفعه الملك الذي بيده سلسلة من السماء، وإذا تجبر جذبته السلسلة التي في الأرض " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 30 ] وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة، الحكمة بيد ملك، فإن تواضع قيل للملك : ارفع حكمته، وإن ارتفع قيل للملك : ضع حكمته " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تكبر تعظما وضعه الله، ومن تواضع لله تخشعا رفعه الله " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان "، فقال رجل : يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا؟ فقال : " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر من بطر الحق وغمص الناس " . [ ص: 31 ] وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، والطبراني ، والبيهقي ، عن أبي ريحانة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل شيء من الكبر الجنة " . قال قائل : يا رسول الله، إني أحب أن أتجمل بعلاق سوطي وشسع نعلي . فقال : " إن ذلك ليس بالكبر، إن الله جميل يحب الجمال، إنما الكبر من سفه الحق وغمص الناس بعينيه " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البغوي في "معجمه"، والطبراني ، عن سواد بن عمرو الأنصاري قال : قلت : يا رسول الله، إني رجل حبب إلي الجمال، وأعطيت منه ما ترى، فما أحب أن يفوقني أحد في شسع نعلي، أفمن الكبر ذاك؟ قال : " لا "، قلت : فما الكبر يا رسول الله؟ قال : " من سفه الحق وغمص الناس " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البغوي، والطبراني ، عن سواد بن عمرو الأنصاري قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله، إني رجل حبب إلي الجمال، حتى [ ص: 32 ] إني لا أحب أن يفوقني أحد بشراك، أفمن الكبر ذاك؟ قال : " لا، ولكن الكبر من غمص الناس وبطر الحق " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر ، أن أبا ريحانة قال : يا رسول الله إني لأحب الجمال حتى في نعلي وعلاقة سوطي، أفمن الكبر ذلك؟ قال : " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، الكبر من سفه الحق وغمص الناس أعمالهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن خريم بن فاتك، أنه قال : يا رسول الله، إني لأحب الجمال، حتى إني لأحبه في شراك نعلي وجلاز سوطي، وإن قومي يزعمون أنه من الكبر . فقال : " ليس الكبر أن يحب أحدكم الجمال، ولكن الكبر أن يسفه الحق ويغمص الناس " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سمويه في " فوائده "، والباوردي ، وابن قانع، والطبراني ، عن ثابت بن قيس بن شماس قال : ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا " فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله، إن [ ص: 33 ] ثيابي لتغسل فيعجبني بياضها، ويعجبني علاقة سوطي وشراك نعلي . [245 ظ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس ذاك من الكبر، إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : أقبل رجل من بني عامر فقال : يا رسول الله، بلغنا أنك شددت في لبس الحرير والذهب، وإني لأحب الجمال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله جميل يحب الجمال، وإنما الكبر من جهل الحق وغمص الناس بعينه " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : إني رجل حبب إلي الجمال، وأعطيت منه ما ترى، حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك أو شسع، أفمن الكبر هذا؟ قال : " لا، ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 34 ] وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود ، مثله، وفيه أن الرجل مالك الرهاوي، وقال : " البغي " . بدل "الكبر " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد " عن عطاء بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوصى نوح ابنه، فقال : إني موصيك بوصية وقاصرها عليك حتى لا تنسى، أوصيك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، فأما اللتان أوصيك بهما ،فإني رأيتهما يكثران الولوج على الله عز وجل، ورأيت الله تبارك وتعالى يستبشر بهما، وصالح خلقه، قل : سبحان الله وبحمده . فإنها صلاة الخلق، وبها يرزق الخلق، وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . فإن السماوات والأرض لو كن حلقة لقصمتها، ولو كن في كفة لرجحت بهن، وأما اللتان أنهاك عنهما، فالشرك والكبر " . فقال عبد الله بن عمرو : يا رسول الله، الكبر أن يكون لي حلة حسنة ألبسها؟ قال : " لا، إن الله جميل يحب الجمال " . قال : فالكبر أن يكون لي دابة صالحة أركبها؟ قال : " لا " . قال : فالكبر أن يكون لي أصحاب يتبعوني وأطعمهم؟ قال : " لا " . قال : فأيما الكبر يا رسول الله؟ قال : " أن تسفه الحق وتغمص " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 35 ] وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : لا يدخل حظيرة القدس متكبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : المتكبرون يجعلون يوم القيامة في توابيت من نار فتطبق عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والدارمي، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأبو يعلى ، وابن حبان، والحاكم ، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من فارق الروح جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة؛ الكبر والدين والغلول " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : ابن الجوزي : في " جامع المسانيد " كذا روي لنا : " الكبر " . وقال الطبراني : إنما هو " الكنز " بالنون والزاي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " . قالوا : يا رسول الله هلكنا، وكيف لنا [ ص: 36 ] أن نعلم ما في قلوبنا من دأب الكبر وأين هو؟ فقال : " من لبس الصوف، أو حلب الشاة، أو أكل مع ما ملكت يمينه، فليس في قلبه إن شاء الله الكبر " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج تمام في " فوائده "، وابن عساكر ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لبس الصوف، وانتعل المخصوف، وركب حماره، وحلب شاته، وأكل معه عياله، فقد نحى الله عنه الكبر، أنا عبد، ابن عبد، أجلس جلسة العبد، وآكل أكل العبد، إني قد أوحي إلي أن تواضعوا ولا يبغي أحد على أحد، إن يد الله مبسوطة في خلقه، فمن رفع نفسه وضعه الله، ومن وضع نفسه رفعه الله، ولا يمشي امرؤ على الأرض شبرا يبتغي سلطان الله إلا أكبه الله " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد " عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : ما لي لا أرى فيكم أفضل العبادة؟ قالوا : وما أفضل العبادة يا روح الله؟ قال : التواضع لله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد "، والبيهقي ، عن عائشة قالت : إنكم لتدعون [ ص: 37 ] أفضل العبادة : التواضع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن يحيى بن أبي كثير قال : أفضل العمل الورع، وخير العبادة التواضع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي ، عن ابن عمرو ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، كبه الله على وجهه في النار " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن للشيطان مصالي وفخوخا، وإن من مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله، والفخر بعطاء الله، والكبر على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله تعالى " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أنبئكم بأهل [ ص: 38 ] النار؟ كل جظ جعظ مستكبر، ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، والبيهقي ، عن جبير بن مطعم قال : يقولون : في التيه . وقد ركبت الحمار، ولبست الشملة، وحلبت الشاة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فعل هذا فليس فيه من الكبر شيء " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد " عن عبد الله بن شداد، رفع الحديث، قال : " من لبس الصوف، واعتقل الشاة، وركب الحمار، وأجاب دعوة الرجل الدون أو العبد، لم يكتب عليه من الكبر شيء " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد " الزهد "، وأبو يعلى ، والحاكم وصححه، والبيهقي عن عبد الله بن سلام، أنه رؤي في السوق على رأسه حزمة حطب، فقيل له : أليس قد أوسع الله عليك؟ قال : بلى، ولكني أردت أن أدفع الكبر، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال [ ص: 39 ] حبة من خردل من كبر " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن جابر قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل، فلما رآه القوم أثنوا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأرى على وجهه سفعة من النار " . فلما جاء وجلس قال : " أنشدك بالله، أجئت وأنت ترى أنك أفضل القوم؟ " . قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن المبارك، أنه سئل عن التواضع فقال : التكبر على الأغنياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن المبارك قال : من التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا، حتى تعلمه أنه ليس لك فضل عليه لدنياك، وأن ترفع نفسك عند من هو فوقك في دنياه، حتى تعلمه أنه ليس لدنياه فضل عليك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : من خضع لغني ووضع له نفسه إعظاما له وطمعا فيما قبله، ذهب ثلثا مروءته وشطر دينه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد " عن عون بن عبد الله قال : قال عبد الله بن مسعود : لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته، ولا يحل بذروته حتى [ ص: 40 ] يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والتواضع أحب إليه من الشرف، وحتى يكون حامده وذامه سواء . قال : ففسرها أصحاب عبد الله قالوا : حتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغنى في الحرام، وحتى يكون التواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله، وحتى يكون حامده وذامه في الحق سواء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية