الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عطاء ، ثنا أبي ، ثنا محمد بن مسلم ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا مبارك أبو حماد ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول لعلي بن الحسن السليمي : " إياك وما يفسد عليك عملك وقلبك ، فإنما يفسد عليك قلبك مجالسة أهل الدنيا ، وأهل الحرص ، وإخوان الشياطين الذين ينفقون أموالهم في غير طاعة الله ، وإياك وما يفسد عليك دينك ، فإنما يفسد عليك دينك مجالسة ذوي الألسن المكثرين للكلام ، وإياك وما يفسد عليك معيشتك ، فإنما يفسد عليك معيشتك أهل الحرص وأهل الشهوات ، إياك ومجالسة أهل الجفاء ، ولا تصحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ، ولا تصحب الفاجر ، ولا تجالسه ، ولا تجالس من يجالسه ، ولا تؤاكله ، ولا تؤاكل من يؤاكله ، ولا تحب من يحبه ، ولا تفش إليه سرك ، ولا تبسم في وجهه ، ولا توسع له في مجلسك ، فإن فعلت شيئا من ذلك فقد قطعت عرى الإسلام ، وإياك وأبواب السلطان ، وأبواب من يأتي أبوابهم وأبواب من يهوى هواهم ، فإن فتنهم مثل فتن الدجال ، فإن جاءك منهم أحد فانظر إليه بوجه مكفهر ، ولا تبال منهم شيئا فيرون أنهم على الحق فتكون من أعوانهم ، فإنهم [ ص: 48 ] لا يخالطون أحدا إلا دنسوه ، وكن مثل الأترجة طيبة الريح ، طيبة الطعم ، لا تنازع أهل الدنيا في دنياهم تكن محببا إلى الناس ، وإياك والمعصية فتستحق سخط الله ، واعلم أنه لم يكن أحد أكرم على الله من آدم عليه السلام ، جبل الله تربته بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأكرمه بسجود ملائكته ، وأسكنه جنته ، فأخرجه منها بذنب واحد ، واعلم يا أخي أن الله تعالى لا يدخل أحدا الجنة بالمعاصي ، وأن داود عليه السلام خليفة الله في الأرض نزل ما نزل به بخطيئة واحدة ، ولو أنا عملنا مثلها لقلنا : ليست بخطيئة فاتق الله يا أخي ، واجتنب المعاصي وأهلها ، فإن أهل المعاصي استوجبوا من الله النقمة ، وكن مبذولا بمالك ونفسك لإخوانك ، ولا تغشهم في السرور والعلانية ، وابغض الجهال ومجالستهم ، والفجار وصحبتهم ، فإنه لا ينجو من جاورهم إلا من عصم الله ، وإذا كنت مع الناس فعليك بكثرة التبسم والبشاشة ، وإذا خلوت بنفسك فعليك بكثرة البكاء والهم والحزن ، فقد بلغنا - والله أعلم - أن أكثر ما يجد المؤمن يوم القيامة في كتابه من الحسنات الهم والحزن ، وإياك وخشوع النفاق " وأن تظهر على وجهك خشوعا ليس في قلبك " .

              حدثنا سعيد بن محمد الناقد ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، ثنا أبي ح . وحدثنا أبي ، ثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، ثنا الحسن بن علي ، ثنا يحيى بن أيوب ، قال : قال عبد الله بن نمير : " لقيني سفيان الثوري بين الصفا والمروة ، فأخذ بيدي ، وسلم علي ثم انطلق إلى منزله ، فإذا عبد الصمد بن علي قاعد على باب منزله ينتظره - وكان والي مكة - فلما رآه قال : ما أعلم في المسلمين أحدا أغش لهم منك ، فقال سفيان : كنت فيما هو أوجب علي من إتيانك - إنه كان يتهيأ للصلاة - فأخبره عبد الصمد أنه كان قد جاءه قوم فأخبروه أنهم قد رأوا الهلال هلال ذي الحجة ، فأمره أن يأمر من يصعد الجبال ثم يؤذن الناس بذلك - ويده في يده - وترك عبد الصمد قاعدا على الباب ، فأخرج إلي سفرة فيها فضلة من طعام : خبز مكسر [ ص: 49 ] وجبن مقطع ، فجعلنا نأكل جميعا قال : فأخذ بيده فذهب به إلى المهدي وهو بمنى ، فلما رآه صاح بأعلى صوته : ما هذه الفساطيط ؟ ما هذه السرادقات ؟ حج عمر بن الخطاب فسأل : كم أنفقنا في حجتنا هذه ؟ فقيل : كذا وكذا دينارا ، ذكر شيئا يسيرا ، زاد سعد : لقد أسرفنا " .

              حدثنا أبو بكر الطلحي ، ثنا الحسن بن حباش ، ثنا أبو هشام الرفاعي ، ثنا النضر بن أبي زرعة ، قال : قال لي مبارك بن سعيد - بالموصل - قال : ائت سفيان وأخبره أن نفقتي قد نفدت ، وثيابي قد تخرقت ، وقل له يكتب إلى والي الموصل لعله يصلني بشيء أكتسي به وأتجمل ، فقدمت الكوفة فأتيت سفيان فأخبرته بما قال لي مبارك ، فدخل الدار فأخرج دورقا فيه كسر يابسة ، فنشرها على الأرض فقال : " لو رضي مبارك بمثل هذا لم يكن بالموصل ، ما له عندنا كتاب " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، وسليمان بن أحمد ، قالا : ثنا بشر بن موسى ، ثنا عبد الله بن صالح العجلي ، ثنا مبارك بن سعيد ، قال : كتب سفيان إلي : " أما بعد ، فأحسن القيام على عيالك ، وليكن الموت من بالك ، والسلام " .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، قال : سمعت محمد بن أبي منصور أو غيره ، قال : عاتب سفيان رجلا من إخوانه كان هم أن يتلبس بشيء من أمر هؤلاء ، فقال له : يا أبا عبد الله إن علي عيالا ، قال : لأن تجعل في عنقك مخلاة فتسأل على الأبواب خير من أن تدخل في شيء من أمر هؤلاء .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، عن وهب بن إسماعيل الأسدي ، قال : كنا عند سفيان الثوري ، فجاءه رجل فسأله عن مسألة وعلى رأسه قلنسوة سوداء ، فنظر إليه فأعرض عنه ، ثم سأله الثانية فنظر إليه فأعرض عنه ، فقال له : يا أبا عبد الله ، يسألك الناس فتجيبهم ، وأسألك فتنظر إلي ثم تعرض عني ؟ فقال : " هذا الذي تسألني ، أي شيء تريد به ؟ " قال : السنة قال : " فهذا الذي على رأسك أي شيء هو من السنة ؟ هذه سنة سنها رجل سوء يقال له أبو مسلم ، لا تستن بسنته " [ ص: 50 ] قال : فنزع الرجل قلنسوته فوضعها ، ثم لبث قليلا ثم قام فذهب " .

              حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا سعد بن محمد البيروتي ، ثنا محمد بن زهران ، ثنا يحيى بن يمان ، قال : سمعت الثوري ، يقول : " أبغض ما يكون إلي إذا رأيتهم قياما يصلون " قال : ورأى سفيان على رجل قلنسوة سوداء ، وذكر له أمر الحج ، فقال : " وضعك هذه يعدل حجة " .

              حدثنا عبد الله ، ثنا ابن معدان ، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا محمد بن سابق ، قال : كنت جالسا عند سفيان حين استقضي شريك ، فقال : " أيما رجل أفسد ، لكن منصور بن المعتمر أخذه داود بن علي فأقامه حتى ورمت قدماه ، فدفع إليه العهد فوضعه في كوة بيته ، فلم يخرجه حتى مات " .

              حدثنا أبو بكر الطلحي ، ثنا عبيد بن غنام ، ثنا محمد بن المثنى البزار ، قال : سمعت بشر بن الحارث ، يقول : سمعت يحيى بن يمان ، يقول : تقاوم سفيان وإبراهيم بن أدهم ليلة إلى الصبح ، فكانا يتذاكران ، فقيل : يا أبا نصر ، في أي شيء ؟ قال : " في أمور المسلمين " .

              حدثنا أبو بكر ، ثنا الحسن بن حباش ، ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا يحيى بن يمان ، قال : كثيرا ما كنت أرى سفيان مقنع الرأس يشتد في جنازة العبد والأمة .

              حدثنا أبو بكر ، ثنا الحسن بن حباش ، ثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الزهري ، قال : سمعت عبد الله بن داود ، يقول : سمعت سفيان يقول : إذا كان الناسك جيرانه عنه راضون فهو مداهن .

              حدثنا أبو بكر ، ثنا محمد بن محمد بن عقبة ، ثنا عبد الله بن سعيد ، ثنا أبو خالد ، قال : سمعت سفيان ، يقول : " ينبغي لأهل الميت أن يلقنوه الشهادة ، فإن ملك الموت - عليه السلام - إذا غمز متينيه انقطع كلامه ، وانقطعت معرفته ، فيسقى سكرة الموت ، فلو أن بيده سيفا ضرب أباه إن قدر " .

              [ ص: 51 ] حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أبو بكر بن معدان ، ثنا أبو عامر الدمشقي ، ثنا الوليد ، أخبرني عطاء الخفاف ، قال : ما لقيت سفيان الثوري إلا باكيا ، فقلت : ما شأنك ؟ قال : " أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا " .

              حدثنا مخلد بن جعفر ، ثنا أحمد بن محمد بن أبي شيبة ، ثنا الزبيري بن بكار ، حدثني أيوب بن سليمان ، ثنا عبد العزيز بن أبي خالد ، قال : مر سفيان الثوري بالقاضي وهو يتكلم ببعض ما يضحك به الناس ، فقال له : " يا شيخ ، أما علمت أن لله يوما يحشر فيه المبطلون ، فما زالت تعرف في وجه القاضي حتى لقي الله عز وجل " .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن الفضل ، أنبأنا الفتح بن إدريس ، ثنا محمد بن يحيى بن فياض ، ثنا يزيد بن أبي الحكيم ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " يا من إذا سئل رضي ، وإذا لم يسأل غضب ، ولا يكون هكذا أحد سواه " .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو العباس الجمال ، ثنا همام بن محمد بن النعمان ، ثنا أبي ، ثنا وكيع ، قال : سمعت سفيان ، يقول : " بلغنا أن البحر يخرج من زق " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا الحضرمي ، ثنا أحمد بن أسد ح . وحدثنا محمد بن علي ، قال : سمعت عبد الله بن محمد البغوي ، يقول : سمعت أبا سعيد الأشج ، يقول : سمعت يحيى بن يمان ، يقول : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " من لم يتفت لم يحسن أن يتقرأ " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن علي ، ثنا أحمد بن علي البربهاري ، ثنا إبراهيم بن شماس ، ثنا يحيى بن يمان ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " خير الناس من رجع من فتوته إلى قراءته ، وشر الناس من رجع من قراءته إلى فتوته " .

              حدثنا أبي ، ثنا محمد بن أحمد بن أبي يحيى ، ثنا أبو بكر بن النعمان ، ثنا محمد بن داود بن صبيح البزار ، ثنا علي بن سليمان ، قال : سمعت بشر بن الحارث ، قال : عن يحيى بن يمان ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " لأن أشتري من شاطر يتفتى ، أحب إلي من أن أشتري من قارئ يتقرأ " .

              حدثنا عبد المنعم بن عمر ، ثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا علي بن سعيد ، ثنا معاوية بن صالح ، ثنا يحيى بن معين ، ثنا حجاج بن محمد ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : [ ص: 52 ] " إياكم وصحبة القراء ، وعليكم بصحبة الفتيان " .

              حدثنا أبي ، ثنا محمد بن أحمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن النعمان ، ثنا أبي ، عن ابن أبي جميل ، قال : قال سفيان : " أولئك فساق القراء ، دخلوا بين الله وبين المريدين " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، وسليمان بن أحمد ، قالا : ثنا بشر بن موسى ، ثنا عبد الله بن صالح العجلي ، ثنا مبارك بن سعيد ، قال : كتب سفيان إلي : " أما بعد ، فأحسن القيام على عيالك ، وليكن الموت من بالك ، والسلام " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عباس الأسفاطي ، ومحمد بن عثمان بن سعيد الضرير ، قالا : ثنا أحمد بن يونس ثنا المعافى بن عمران ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول : " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أبو حصين الوادعي ، ثنا عبيد بن يعيش ، ثنا بكر بن محمد العابد ، قال : قلت لسفيان الثوري : دلني على رجل أجلس إليه ، قال : " تلك ضالة لا توجد " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا العباس بن الفضل ، ثنا أحمد بن يونس ، ثنا المعافى ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول : " من العجب أن يظن بأهل الشر الخير " .

              حدثنا سليمان ، ثنا محمد بن هشام المستملي ، ثنا الحسن بن عرفة ، ثنا عمار بن محمد ، ثنا سفيان الثوري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان للمؤمن عش كعش الطير وماء وخبز وملح فذلك من النعيم " .

              حدثنا أبي ، ثنا محمد بن أحمد بن يزيد ، ثنا عمران بن عبد الرحيم ، ثنا أحمد بن يونس ، سئل سفيان الثوري : بم عرفت ربك ؟ قال : بفسخ العزم ونقض الهمة .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن الوليد قال : سمعت عبد الله بن عمر بن يزيد ، يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، يقول : جر أمير المؤمنين سفيان إلى القضاء فتحامق عليه ليخلص نفسه منه ، فلما أن علم أنه يتحامق عليه أرسله وهرب من السلطان ، وجعل كينونته في بيت عبد الرحمن ويحيى [ ص: 53 ] بن سعيد بضعة عشر سنة ، فلما كان عند موته قالوا : أين نذهب بك ؟ قال : اغسلوني وكفنوني وضعوني على السرير واحملوا فيما بينكم السرير ، ففعلوا فوضعوه بباب مسجد الجامع ، فجاء السلطان فكشف عن وجهه فغاصه في الكافور ، وكتب إلى السلطان الأعظم : إني وجدت سفيان على سرير مفروغا من غسله وكفنه فغصصته في الكافور أنتظر ما تأمر فيه ، فوقع على الماء ألف سماري إلى جنازته ، فدفن بعد أيام .

              حدثنا عبد المنعم بن عمر ، ثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا يوسف بن موسى ، ثنا ابن خبيق ، ثنا علي بن هشام القرشي ، قال : جاء سفيان الثوري إلى صيرفي بمكة يشتري منه دراهم بدينار ، فأعطاه الدينار وكان معه آخر فسقط من سفيان ، فطلبه فإذا إلى جانبه دينار آخر ، فقال له الصيرفي : خذ دينارك ، قال : ما أعرفه ، قال : خذ الناقص ، قال : فلعله الزائد ، قال : فتركه ومضى .

              حدثنا عبد المنعم بن عمر ، ثنا أحمد ، ثنا أبو يعقوب المروزي ، ثنا ابن خبيق ، قال : قال لي يوسف بن أسباط : قال لي سفيان الثوري وأنا وهو في المسجد : يا يوسف ، ناولني المطهرة أتوضأ ، فناولته ، فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده ، ونمت فاستيقظت وقد طلع الفجر فنظرت إليه فإذا المطهرة في يده على حالها ، فقلت : يا أبا عبد الله قد طلع الفجر ، قال : لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الآخرة إلى هذه الساعة .

              حدثنا عبد المنعم ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، عن خلف بن تميم ، قال : سمعت سفيان ، يقول : " بصر العينين من الدنيا وبصر القلب من الآخرة ، وإن الرجل ليبصر بعينه فلا ينتفع ببصره ، وإذا أبصر بالقلب انتفع " .

              حدثنا عبد المنعم ، ثنا أحمد ، ثنا ابن أبي يزيد الدمشقي ، ثنا المسيب بن واضح ، حدثني بعض مشايخنا عن سفيان ، قال : " إني لألقى الأخ من الإخوان اللقاءة فأكون بها غافلا شهرا " .

              حدثنا عبد المنعم ، ثنا أحمد ، ثنا محمد بن العباس الدمشقي ، ثنا ابن أبي [ ص: 54 ] الحواري ، قال : قلت لأحمد بن شبويه : إن أبا صفوان قال : ما ضعف بدن قط عن نية ، فقال : قال سفيان الثوري : " ما ضعف بدن قط عن مبلغ نيته ، فقدموا النية ثم اتبعوها " .

              حدثنا عبد المنعم ، ثنا أحمد ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا أحمد بن الفتح ، قال : سمعت بشر بن الحارث ، يقول : سمعت يحيى بن سعيد القطان ، يقول : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " إن أقبح الرغبة أن تطلب الدنيا بعمل الآخرة " .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا محمد بن حمزة ، ثنا علي بن سهل البغدادي ، ثنا أبي قال : قال سفيان الثوري : " يقال للميت وهو على سريره : اسمع ثناء الناس عليك " .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا أحمد بن محمد بن حكيم ، ثنا أبو خولة ميمون بن سلمة ، ثنا بركة بن محمد ، ثنا يوسف بن أسباط ، قال : كنت بالكوفة أطبع اللبن في بني الأحمر ، فجاء سفيان فقعد إلي ، فحدثني ثم قال : " يا يوسف ، لا تشكر إلا من عرف موضع الشكر " ، قلت : وما موضع الشكر يا أبا عبد الله ؟ فقال لي : " إذا أوليتك معروفا فكنت أنا أسر به منك ، وأنا منك أشد استحياء ، فاشكر ، وإلا فلا " .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا محمد بن حمزة ، ثنا السري بن يحيى ، ثنا أبو هدبة ، قال : " رأيت سفيان الثوري أخذ من شعره فناول الحجام رغيفا " .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا محمد بن أحمد بن سلم ، ثنا علي بن جميل ، ثنا شعيب بن حرب ، قال : جاءت امرأة إلى الثوري فقالت : إن ابني ضيعني وترك عمله ، فقال : " في أي شيء أخذ ابنك ؟ " قالت : في الحديث ، قال : " احتسبيه " .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء ، ثنا عمرو بن ثور ، ثنا موسى بن خالد ، - ختن الفريابي - ثنا ابن المبارك ، عن الثوري ، قال : " إنما الأجر على قدر الصبر " .

              حدثنا محمد ، ثنا عمر بن عبد ربه الحضرمي ، ثنا الحسين بن شاكر السمرقندي ، ثنا ابن خبيق ، قال : قال العمري : قال الثوري : " ما أحسن تذلل الأغنياء في مجالس الفقراء ، وما أقبح تذلل الفقراء في مجالس الأغنياء " .

              وقال العمري : [ ص: 55 ] " معاشر القراء ، كلوا الدنيا ، فقد مات سفيان الثوري " .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا ابن معدان ، ح . وحدثنا محمد بن علي ، ثنا أحمد بن عبيد الله الدارمي ، ثنا أبو المشرف أحمد بن محمد بن عقيل قالا : ثنا إبراهيم بن سعيد ، ثنا عبيد بن جناد ، عن عطاء بن مسلم ، قال : كان سفيان يحدثنا فقال : " النهار يعمل عمله " ، فقيل له : في هذا أجر ؟ قال : " في هذا لذة " .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا أحمد بن محمد العباسي ، ثنا ابن خبيق ، ثنا يوسف بن أسباط ، قال : سئل سفيان الثوري عن مسألة ، وهو يشتري شيئا ، فقال : " دعني ، فإن قلبي مع درهمي " .

              حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ، وأبو محمد بن حيان قالا : ثنا أحمد بن علي بن الجارود ، ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا ابن يمان ، قال : قال سفيان الثوري : " إنما مثل الدنيا مثل رغيف عليه عسل مر به ذباب فقطع جناحيه ، وإذا مر برغيف يابس مر به سليما " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم ، قالا : ثنا أحمد بن علي ، ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا ابن يمان ، قال : قال سفيان : " مر قيس بقوم يقتتلون قال : على ما يقتتل هؤلاء ؟ لقد عظم على هؤلاء الدنيا " .

              حدثنا القاضي أبو أحمد ، ثنا محمد بن أيوب ، ثنا الحسن بن عيسى بن ميسرة ، ثنا عبد الله بن المبارك ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة .

              حدثنا أبو أحمد ، ثنا أبو الفوارس ، ثنا يحيى بن عثمان ، ثنا الفريابي ، ثنا سفيان ، عن بعضهم ، قال : قال رجل : " لنعمة الله فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته علي فيما أعطاني " .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أبو الفوارس ، ثنا يحيى ، ثنا الفريابي ، عن سفيان ، قال : " جاء راهب إلى راهب فقال : كيف رأيت نشاطك ؟ قال : ما شعرت أن أحدا يسمع بذكر الجنة والنار تأتي عليه ساعة من نهار أو ليل لا يصلي فيها ، قال : كيف ذكرك للموت ؟ قال : ما أرفع رجلا ولا أضع أخرى إلا رأيت أني ميت [ ص: 56 ] ، ثم قال : إني لأصلي فأبكي حتى ينبت العشب من دموعي ، قال : إنك إن تضحك وأنت معترف لله بخطيئتك خير لك من أن تبكي وأنت مدل بعملك ، فإن صلاة المدل لا تصعد فوقه ، قال : أوصني قال : ازهد في الدنيا ، ولا تنازع أهلها ، وكن فيها كالنحلة ، إن وقعت على عود لم تكسره ، وإن أكلت أكلت طيبا ، وإن وضعت وضعت طيبا ، وانصح لله نصح الكلب لأهله ، فإنهم يضربونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم " .

              حدثنا القاضي أبو أحمد ، وأبو محمد بن حيان قالا : ثنا أحمد بن علي بن الجارود ، ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا أبو خالد الأحمر ، عن عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر ، قال : أرسل إلي سفيان وأنا بعبادان ، فأتيته بالبصرة ، فإذا به البطن فقال : " عندك في هذا شيء ؟ " فقلت : تيمم ، فنفض ثوبه في وجهي ، فلما خرجت قلت : سفيان يستفتيني ؟ فرجعت إليه لأصف له ، فإذا هو قد مات ، وإذا على فمه سويق الغبيراء ، قال : فجعل أبو خالد يقول : وأي فم ؟ وأي فم ؟ وأي فم ؟ " .

              حدثنا أبو أحمد ، ثنا أحمد بن محمد بن الحسن ، ثنا عبد الله بن خبيق ، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله البصري ، قال : قال رجل لسفيان : أوصني قال : " اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها ، وللآخرة بقدر بقائك فيها ، والسلام " .

              حدثنا أبو أحمد ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا عبد الله بن خبيق ، قال : سمعت يوسف بن أسباط ، يقول : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " ليس شيء يضاعف من الكلام مثل قول الحمد لله ، ولا شيء أقطع لظهر إبليس من لا إله إلا الله " .

              حدثنا أبو أحمد ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا الحسن بن ناصح ، قال : سمعت عبد العزيز بن أبان ، يقول : سمعت الثوري ، يقول : " ما وجدنا شيئا أنفع في دين ولا دنيا من أخ موافق " .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن العباس ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، عن محمود الدمشقي ، قال : " جاء رجل إلى سفيان الثوري فشكى إليه مصيبة أصابته ، فقال له سفيان : " ما كان بها أحد أهون عليك مني ؟ " قال : وكيف ذلك ؟ قال : " ما وجدت أحدا تشكو إليه غيري ؟ " قال : [ ص: 57 ] إنما أردت أن تدعو لي ، فقال له سفيان : " أمدبر أنت ، أم مدبر ؟ " قال : بل مدبر ، قال : " فارض بما يدبر لك " .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا عباس الدوري ، ثنا أحمد بن يونس ، ثنا علي بن فضيل ، قال : رأيت سفيان الثوري ساجدا حول البيت فطفت سبعة أسابيع قبل أن يرفع رأسه .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا أبو الربيع الرشديني ، ثنا ابن وهب ، قال : " رأيت الثوري في المسجد الحرام بعد المغرب صلى ثم سجد سجدة فلم يرفع رأسه حتى نودي بصلاة العشاء " .

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، قال : سمعت أحمد بن سعيد الدارمي ، يقول : سمعت أبا عاصم ، يقول : قال سفيان : " وددت أني أنقلب من هذا الأمر كفافا " .

              حدثنا إبراهيم ، ثنا محمد ، قال : سمعت أبا النضر العجلي ، يقول : ثنا محمد بن حرب ، قال : قال سفيان : " حمد الله ذكر وشكر ، وليس شيء ذكرا وشكرا غيره " .

              حدثنا إبراهيم ، ثنا محمد بن محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ، ثنا أبي ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سفيان ، قال : " إنما العلم بالآثار " .

              حدثنا إبراهيم ، ثنا محمد ، قال : حدثني العباس بن أبي طالب ، ثنا أحمد بن عمران الأخنسي ، قال : سمعت حفص بن غياث ، وذكر الثوري ، فقال : " كان يتعزى بسفيان وبمجلس سفيان عن الدنيا " .

              حدثنا إبراهيم ، ثنا محمد ، قال : سمعت الفضل بن سهل ، يقول : ثنا معاوية بن عمرو ، ثنا داود بن يحيى ، عن أبيه ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " إذا أردت من قارئ حاجة ، فاضربه بصاحب الدنيا " .

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، ثنا عبد الرزاق ، قال : " كنت إذا لقيت سفيان الثوري لم أستوحش إلى أحد " .

              حدثنا إبراهيم ، ثنا محمد بن سهل ، قال : سمعت عبد الرزاق ، يقول : سمعت [ ص: 58 ] سفيان ، يقول : " سلوني عن التفسير ، والمناسك ، فإني بهما عالم " .

              حدثنا إبراهيم ، ثنا محمد ، ثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا يحيى بن يمان العجلي ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " قد كنت أشتهي أمرض فأموت ، فأما اليوم ، فليتني مت فجأة " .

              حدثنا إبراهيم ، ثنا محمد ، قال : سمعت أبا سعيد الكندي الأشج ، قال : سمعت أبا نعيم الأحول ، قال : " كان سفيان الثوري إذا ذكر الموت لا ينتفع به أياما ، وإذا سئل عن شيء قال : لا أدري ، لا أدري " .

              حدثنا إبراهيم ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا أبو بكر بن أبي النضر ، ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، ثنا عبيد الله الأشجعي ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " خذ من الناس اليوم هذه الصفحة ، ولا تفتش عما وراء ذلك " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا عارم أبو النعمان ، قال : أتيت أبا منصور أعوده ، فقال لي : بات سفيان في هذا البيت ، وكان هاهنا بلبل لابني ، فقال : " ما بال هذا الطير محبوس ، لو خلي عنه " فقلت : هو لابني ، وهو يهبه لك ، قال : فقال : " لا ، ولكني أعطيه دينارا " ، قال : فأخذه فخلى عنه ، فكان يذهب فيرعى فيجيء بالعشي فيكون في ناحية البيت ، فلما مات سفيان تبع جنازته ، فكان يضطرب على قبره ، ثم اختلف بعد ذلك ليالي إلى قبره ، فكان ربما بات عليه ، وربما رجع إلى البيت ، ثم وجدوه ميتا عند قبره ، فدفن معه في القبر أو إلى جنبه . قال سليمان أبو منصور : هذا الذي روى عنه عارم هو بشر بن منصور السليمي ، وكان سفيان مستخفيا في داره بالبصرة بعد أن خرج من دار عبد الرحمن بن مهدي ، وفي دار بشر بن منصور مات ، رحمة الله تعالى عليه " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا الهيثم بن خلف الدوري ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا بشر بن زاذان ، عن سفيان الثوري ، قال : ما من درهم ينفقه الرجل هو فيه أعظم أجرا من درهم يعطيه صاحب حمام يخليه به .

              [ ص: 59 ] حدثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا أحمد بن جواس الحنفي ، ثنا قبيصة بن عقبة ، قال : " أهديت إلى سفيان الثوري شيئا فقبله مني ، ثم صحبني بقصعة أرز يحملها " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي ، ثنا محمد بن أبي صفوان ، قال : سمعت أبي يقول : " قدم علينا معاوية وعبد الوهاب أبناء عبد المجيد ، وكانا يلطفان سفيان ، ويهديان إليه قال : فرأيت سفيان يوما في الحناطين ، فقال : " إن ابني عمتك هذين ألطفاني ، وأكثرا من اللطف ، وقد ذهبت إلى صاحب بضاعتي ، فأخذت دينارين أريد أن أشتري بهما لهما حنطة ، فأهديهما لهما ، فاشترى لهما حنطة ، وأهداها إليهما " .

              حدثنا سليمان بن أحمد بن علي ، ثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : سمعت داود بن يحيى بن يمان ، يحدث ، عن أبيه ، عن سفيان ، قال : " ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذل له " .

              حدثنا سليمان ، ثنا أحمد بن علي ، ثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : سمعت داود بن يحيى ، يحدث ، عن أبيه ، قال : " صعد سفيان الثوري يؤذن العصر وترك نعليه في المحراب ، فأشرف يؤذن فرأى ابن عم له قد أخذ نعليه ، فلما صلى أرسل إليه بعشرة دراهم " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن الحسين الأنماطي ، ثنا يحيى بن أيوب المقابري ، ثنا الحواري بن أبي الحواري أبو عيسى ، قال : " رأيت سفيان الثوري يصلي قائما حتى تغلبه عيناه ، ثم يصلي قاعدا حتى يعي فيضطجع فيصلي مضطجعا " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن علي الأبار ، ثنا مؤمل بن إهاب ، ثنا الفريابي ، قال : كان سفيان الثوري يصلي ثم يلتفت إلى الشباب فيقول : " إذا لم تصلوا اليوم ، فمتى ؟ " .

              حدثنا سليمان ، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أحمد بن أسد البجلي ، ثنا يحيى بن يمان ، قال : " رأيت سفيان يخرج يدور بالليل وينضح في عينيه الماء حتى يذهب عنه النعاس " .

              [ ص: 60 ] حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا مفرج بن شجاع الموصلي ، ثنا أبو زيد محمد بن حسان قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، يقول : ما عاشرت في الناس رجلا هو أرق من سفيان ، قال : وقال ابن مهدي : وكنت أرامقه الليلة بعد الليلة ، فما كان ينام إلا في أول الليل ثم ينتفض فزعا مرعوبا ينادي : " النار شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات " كأنه يخاطب رجلا في البيت ، ثم يدعو بماء إلى جانبه فيتوضأ ، ثم يقول على إثر وضوئه : " اللهم إنك عالم بحاجتي ، غير معلم بما أطلب ، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار ، اللهم إن الجزع قد أرقني من الخوف ، فلم يؤمني ، وكل هذا من نعمتك السابغة علي ، وكذلك فعلت بأوليائك وأهل طاعتك ، إلهي قد علمت أن لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين " ، ثم يقبل على صلاته ، وكان البكاء يمنعه من القراءة ، حتى إني كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه ، قال ابن مهدي : وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياء وهيبة منه " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن أحمد بن معدان ، ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ، قال : سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، يقول : " كنا في مجلس الثوري وهو يسأل رجلا رجلا عما يصنع في ليله فيخبره ، حتى دار القوم فقالوا : يا أبا عبد الله ، قد سألتنا فأخبرناك ، فأخبرنا أنت كيف تصنع في ليلك ؟ فقال : " لها عندي أول نومة ، تنام ما شاءت ، لا أمنعها ، فإذا استيقظت ، فلا أقيلها والله " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن أحمد ، ثنا إسماعيل بن أبي الحارث ، ثنا علي بن الحسن بن سفيان ، عن ابن المبارك ، قال : سألت سفيان الثوري عن الرجل يصلي ، أي شيء ينوي بصلاته ؟ قال : " ينوي أن يناجي ربه " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عباس بن حمدان ، ثنا الحضرمي ، ثنا حمدان بن جابر الضبي - وكان من الثقات - ثنا أبو زيد عبثر قال : قرأ سفيان ليلة : ( إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ) . فخرج فارا على وجهه حتى لحقوه ، واجتمعت بنو ثور على سفيان وهو شاب يناشدونه مما كان من العبادة أي أقصر عن هذا .

              [ ص: 61 ] حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن أحمد بن معدان ، ثنا أحمد بن محمد البغدادي ، قال : سمعت بشر بن الحارث ، يقول : قال قاسم الجرمي : سمعت سفيان الثوري ، يقول : " يكتب للرجل من صلاته ما عقل منها " .

              حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن مسلم ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا مبارك أبو حماد ، قال : سمعت سفيان الثوري ، يقرأ على ابن الحسن : " انظر يا أخي أن يكون أمرك ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس التفكر في يومك الذي مضى ، فما كان من طاعة الله فاستقم عليها ، وما كان من معصية الله فانزع عنها ، ولا تعد فيها يديك ، فإنك لا تدري أتستكمل يومك أم لا ؟ وإن التوبة مبسوطة ، وترك الذنب أيسر عليك من طلب التوبة ، والتوبة النصوحة هي الندامة التي لا رجعة فيها ، واتق الله حيثما كنت ، إذا عملت ذنبا في السر فتب إلى الله في السر ، وإذا عملت في العلانية فتب إلى الله في العلانية ، ولا تدع ذنبا يركب ذنبا ، وأكثر من البكاء ما استطعت ، والضحك فلست منه بسبيل ، فإنك لم تخلق عبثا ، وصل رحمك وقرابتك وجيرانك وإخوانك ، ثم إذا رحمت رحمت مسكينا أو يتيما أو ضعيفا ، وإذا هممت بصدقة أو ببر أو بعمل صالح فعجل مضيه من ساعته من قبل أن يحول بينك وبينه الشيطان ، واعمل بنية ، وكل بنية ، واشرب بنية ، ولا تأكل وحدك ، ولا تنامن وحدك ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، ولا تأكل في ظلمة ، فإن الشيطان يأكل في الظلمة ، وإياك والشح ، فإن الشح يفسد عليك دينك ، ولا تعدن أحدا شيئا فتخلفه فتستبدل بالمودة بغضا ، وإياك والشحناء ، فإنه لا تقبل توبة عبد يكون بينه وبين أخيه شحناء ، وإياك والبغضاء ، فإنما هي الحالقة ، وعليك بالسلام لكل مسلم يخرج الغل والغش من قلبك ، وعليك بالمصافحة تكن محبوبا إلى الناس ، ولا تزل على وضوء تحبك الحفظة ، وإن مت مت شهيدا ، وأدن اليتيم منك ، وامسح برأسه يزد في عمرك ، وتكن رفيق نبيك ، ارحم الصغير ، ووقر الكبير تلحق بالصالحين ، وأطعم طعامك الأتقياء الصالحين - وإن كان غنيا - يحبك الله ، ويلقي محبتك على [ ص: 62 ] الناس ، وإذا لبست جديدا فألق خلقانك على عار يمح اسمك من البخلاء ، ويزد في حسناتك ، وينقص من سيئاتك ، ولا تحب إلا في الله ، ولا تبغض إلا في الله ، فإن لم تفعل كان سيماك سيما المنافقين " .

              حدثنا علي بن عبد الله بن عمر ، ثنا المنتصر بن نصر ، ثنا عمر بن مدرك ، قال : سمعت مكي بن إبراهيم ، يقول : دخلت على سفيان بن سعيد يوما وبين يديه رغيف وكف زبيب - أو حفنة - فقال لي : ادن يا مكي ، قلت : يا أبا عبد الله ، دخلت إليك غير مرة وأنت تأكل فلم تدعني قبلها ، قال : " اليوم حضرتني النية " .

              حدثنا علي بن عبد الله ، ثنا محمد بن أحمد الأثرم ، ثنا أحمد بن الربيع ، ثنا يحيى بن يمان . قال : اطلعت على سفيان الثوري في بيته فسمعته يقول : سترك الجميل الذي لم يزل ، سترك الجميل الذي لم يزل .

              حدثنا أبي ، ثنا محمد بن أحمد بن يزيد ، ثنا أبو بكر بن النعمان ، ثنا محمد بن داود ، ثنا زهير بن عباد ، ثنا ابن السماك ، عن سفيان الثوري ، قال : " ما عالجت شيئا أشد علي من نفسي " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية