الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الإسرائيليات

لليهودية ثقافتها الدينية التي تستمد من التوراة . وللنصرانية ثقافتها الدينية التي تستمد من الإنجيل . وقد انضوى تحت لواء الإسلام منذ ظهوره كثير من اليهود والنصارى ، ولهؤلاء وأولئك ثقافتهم الدينية .

وقد اشتمل القرآن على كثير مما جاء في التوراة والإنجيل ولا سيما ما يتعلق بقصص الأنبياء وأخبار الأمم ، ولكن القصص القرآني يجمل القول مستهدفا مواطن العبرة والعظة دون ذكر للتفاصيل الجزئية كتاريخ الوقائع ، وأسماء البلدان والأشخاص ، أما التوراة فإنها تتعرض مع شروحها للتفاصيل والجزئيات ، وكذلك الإنجيل .

وحيث دخل أهل الكتاب في الإسلام فقد حملوا معهم ثقافتهم الدينية من الأخبار والقصص الديني ، وهؤلاء حين يقرءون قصص القرآن قد يتعرضون لذكر التفصيلات الواردة في كتبهم ، وكان الصحابة يتوقفون إزاء ما يسمعون من ذلك ، امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا [ ص: 345 ] بالله وما أنزل إلينا “ ، وقد يدور حوار بينهم وبين أهل الكتاب في شيء من تلك الجزئيات ، ويقبل الصحابة بعض ذلك ما دام لا يتعلق بالعقيدة ولا يتصل بالأحكام ، ثم يتحدثون به ، لما فهموه من الإباحة في قوله صلى الله عليه وسلم : " بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار “ . أي حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، أما ما جاء في الحديث الأول : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " فهو محمول على ما إذا كان ما يخبرون به محتملا لأن يكون صدقا ، ولأن يكون كذبا ، فلا تعارض بين الحديثين .

تلك الأخبار التي تحدث بها أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام هي التي يطلق عليها الإسرائيليات من باب التغليب للجانب اليهودي على الجانب النصراني ، حيث كان النقل عن اليهود أكثر لشدة اختلاطهم بالمسلمين منذ بدأ ظهور الإسلام . وكانت الهجرة إلى المدينة .

ولم يأخذ الصحابة عن أهل الكتاب شيئا في تفسير القرآن من الأخبار الجزئية سوى القليل النادر . فلما جاء عهد التابعين وكثر الذين دخلوا في الإسلام من أهل الكتاب كثر أخذ التابعين عنهم ، ثم عظم شغف من جاء بعدهم من المفسرين بالإسرائيليات ، قال ابن خلدون : " وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات ، وبدء الخليقة ، وأسرار الوجود ، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ، ويستفيدونه منهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ، ومن تبع دينهم من النصارى . . . فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم “ .

ولم يكن المفسرون يتحرون صحة النقل فيما يأخذونه من هذه الإسرائيليات ، ومنها ما هو فاسد باطل ، لذا كان على من يقرأ في كتبهم أن يتجاوز عما لا طائل تحته ، وألا ينقل منها إلا ما تدعو إليه الضرورة وتتبين صحة نقله ، ويظهر صدق خبره .

[ ص: 346 ] وأكثر ما يروى من هذه الإسرائيليات إنما يروى عن أربعة أشخاص : هم : عبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وقد اختلفت أنظار العلماء في الحكم عليهم والثقة بهم ، ما بين مجرح وموثق ، وأكثر الخلاف يدور حول كعب الأحبار . وكان عبد الله بن سلام أكثرهم علما ، وأعلاهم قدرا . واعتمده البخاري وغيره من أهل الحديث ، ولم ينسب إليه من التهم ما نسب إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية