الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب الهمزة والميم وما بعدهما في الثلاثي

                                                          ( أمن ) الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان : أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة ، ومعناها سكون القلب ، والآخر التصديق . والمعنيان كما قلنا متدانيان . قال الخليل : الأمنة من الأمن . والأمان إعطاء الأمنة . والأمانة ضد الخيانة .

                                                          [ ص: 134 ] يقال : أمنت الرجل أمنا وأمنة وأمانا ، وآمنني يؤمنني إيمانا . والعرب تقول : رجل أمان : إذا كان أمينا . قالالأعشى :


                                                          ولقد شهدت التاجر ال أمان مورودا شرابه

                                                          وما كان أمينا ولقد أمن . قال أبو زيد : الأمين المؤتمن . قال النابغة :


                                                          وكنت أمينه لو لم تخنه     ولكن لا أمانة لليماني

                                                          وقال حسان :


                                                          وأمين حفظته سر نفسي     فوعاه حفظ الأمين الأمينا

                                                          الأول مفعول والثاني فاعل ، كأنه قال : حفظ المؤتمن المؤتمن . وبيت آمن ذو أمن . قال الله تعالى : رب اجعل هذا البلد آمنا . وأنشد اللحياني :


                                                          ألم تعلمي يا اسم ويحك أنني     حلفت يمينا لا أخون أميني

                                                          ، أي : آمني . وقال اللحياني وغيره : رجل أمنة : إذا كان يأمنه الناس ولا يخافون غائلته; وأمنة بالفتح يصدق ما سمع ولا يكذب بشيء ، يثق بالناس . فأما قولهم : أعطيت فلانا من آمن مالي فقالوا : معناه من أعزه علي . وهذا وإن كان كذا فالمعنى معنى الباب كله ، لأنه إذا كان من أعزه عليه فهو الذي تسكن نفسه . وأنشدوا قول القائل :


                                                          ونقي بآمن مالنا أحسابنا     ونجر في الهيجا الرماح وندعي

                                                          [ ص: 135 ] وفي المثل : " من مأمنه يؤتى الحذر " ويقولون : " البلوي أخوك ولا تأمنه " ، يراد به التحذير .

                                                          وأما التصديق فقول الله تعالى : وما أنت بمؤمن لنا أي : مصدق لنا . وقال بعض أهل العلم : إن " المؤمن " في صفات الله تعالى هو أن يصدق ما وعد عبده من الثواب . وقال آخرون : هو مؤمن لأوليائه يؤمنهم عذابه ولا يظلمهم . فهذا قد عاد إلى المعنى الأول . ومنه قول النابغة :


                                                          والمؤمن العائذات الطير يمسحها     ركبان مكة بين الغيل والسعد

                                                          ومن الباب الثاني - والله أعلم - قولنا في الدعاء : " آمين " قالوا : تفسيره : اللهم افعل ، ويقال : هو اسم من أسماء الله تعالى . قال :


                                                          تباعد مني فطحل وابن أمه     أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

                                                          وربما مدوا ، وحجته قوله :


                                                          يا رب لا تسلبني حبها أبدا     ويرحم الله عبدا قال آمينا

                                                          [ ص: 136 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية