الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثالث في التفويض وحكم المفوضة

                                                                                                                                                                        التفويض : أن تجعل الأمر إلى غيره . ويقال : إنه الإهمال .

                                                                                                                                                                        ومنه قوله : [ ص: 279 ] لا يصلح الناس فوضى . . . وسميت المرأة مفوضة لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر ، أو لأنها أمهلت المهر . ومفوضة بفتح الواو ; لأن الولي فوض أمرها إلى الزوج . وفي الباب طرفان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : في صورة التفويض .

                                                                                                                                                                        والثاني : في حكمه .

                                                                                                                                                                        أما الأول : فالتفويض ضربان . تفويض مهر وتفويض بضع . فتفويض المهر أن تقول لوليها : زوجني على أن المهر ما شئت أو ما شئت أنا ، أو ما شاء الخاطب ، أو فلان ، فإن زوجها على ما ذكرت من الإبهام ، فحكمه ما سبق في آخر الباب السابق . وإن زوجها بما عين المذكور مشيئته ، صح المسمى وإن كان دون مهر المثل . وإن زوجها بلا مهر ، فهل يبطل النكاح ، أم يصح بمهر المثل ؟ فيه الخلاف السابق في آخر الباب السابق فيما إذا أطلقت الإذن وزوج الولي بدون مهر المثل ، وليس النكاح في هذه الصور خاليا عن المهر ، وليس هذا التفويض بالتفويض الذي عقدنا له الباب .

                                                                                                                                                                        وأما تفويض البضع ، فالمراد به : إخلاء النكاح عن المهر ، وإنما يعتبر إذا صدر من مستحق المهر بأن تقول البالغة الرشيدة ، ثيبا كانت أو بكرا : زوجني بلا مهر أو على أن لا مهر ، فيزوجها الولي وينفي المهر ، أو يسكت عنه . ولو قالت : زوجني وسكتت عن المهر ، فالذي ذكره الإمام وغيره ، أن هذا ليس بتفويض ; [ ص: 280 ] لأن النكاح يعقد غالبا بمهر ، فيحمل الإذن على العادة ، فكأنها قالت : زوجني بمهر ، ويوافق هذا ما سبق . وفي بعض كتب العراقيين ما يقتضي كونه تفويضا . ومن التفويض الصحيح أن يقول سيد الأمة : زوجتها بلا مهر ، أو زوجها ساكتا عن المهر .

                                                                                                                                                                        ولو أذنت الحرة لوليها في التزويج ، على أن لا مهر لها في الحال ولا عند الدخول ولا غيره ، وزوجها الولي كذلك ، فوجهان . أحدهما : بطلان النكاح . وأصحهما : صحته . وعلى هذا ، هل هو تفويض فاسد فيجب مهر المثل ، أم يلغى النفي في المستقبل ويكون تفويضا صحيحا ؟ وجهان ، وبالأول قال أبو إسحاق ; لأنه شرط فاسد ، والشرط الفاسد في النكاح يوجب مهر المثل . ولو زوجها الولي ونفى المهر من غير أن ترضى هي بمهر المثل ، فهو كما لو نقص عن مهر المثل . فإن كان مجبرا ، فهل يبطل النكاح ، أم يصح بمهر المثل ؟ قولان . وإن كان غير مجبر ، فهل يبطل قطعا أم على القولين ؟ فيه طريقان ، وقد سبق جميع هذا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يصح تفويض المحجور عليها لسفه ، ولا الصبية المميزة . وإذا قالت السفيهة : زوجني بلا مهر ، استفاد به الولي الإذن في النكاح ولغا التفويض .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نكحها على أن لا مهر لها ولا نفقة ، أو على أن لا مهر لها وتعطي زوجها ألفا ، فهذا أبلغ في التفويض . ولو قالت للولي : زوجني بلا مهر ، فزوجها بمهر المثل [ ص: 281 ] من نقد البلد ، صح المسمى . وإن زوجها بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد ، لم يلزم المسمى ، وكان كما لو نكحها تفويضا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية