الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 454 ] 22 - باب

                                المؤذن الواحد يوم الجمعة

                                871 913 - حدثنا أبو نعيم، ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان، حين كثر أهل المدينة، ولم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- غير مؤذن واحد، وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام - يعني: على المنبر.

                                التالي السابق


                                قوله: " ولم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا مؤذن واحد " - يعني: في الجمعة؛ فإن في غير الجمعة كان له مؤذنان، كما سبق في " الأذان ".

                                وقد قيل: إنه يحتمل أن يكون مراد السائب : أنه لم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة إلا تأذين واحد، فعبر بالمؤذن عن الأذان -: ذكره الإسماعيلي .

                                وهذا يرده قوله: " فزاد عثمان النداء الثالث "، فإنه يدل على أنه كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- أذانان - يعني: الأذان والإقامة - والمؤذن الواحد في الجمعة.

                                وقد تقدم في رواية النسائي لحديث السائب بن يزيد ، ويفهم من حديث ابن عمر - أيضا.

                                وخرج ابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن سعد بن عمار : حدثني أبي، عن أبيه، عن جده - وهو: سعد القرظ - أنه كان يؤذن يوم الجمعة على عهد [ ص: 455 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان الفيء مثل الشراك .

                                وهذا إسناد ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره.

                                وإنما كان سعد يؤذن بقباء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن بقباء جمعة.

                                وقد حكى ابن عبد البر اختلافا بين العلماء في الأذان يوم الجمعة بين يدي الإمام: هل يكون من مؤذن واحد، أو مؤذنين؟

                                فذكر من رواية ابن عبد الحكم ، عن مالك ، أنه قال: إذا جلس الإمام على المنبر، ونادى المنادي منع الناس من البيع.

                                قال: وهذا يدل على أن النداء عنده واحد بين يدي الإمام.

                                وفي " المدونة " من قول ابن القاسم ، وروايته عن مالك : إذا جلس الإمام على المنبر، وأخذ المؤذنون في الأذان حرم البيع.

                                فذكر " المؤذنين " بلفظ الجماعة.

                                قال: ويشهد لهذا حديث مالك ، عن ابن شهاب ، عن ثعلبة بن أبي مالك ، أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر ، فإذا خرج وجلس على المنبر وأخذ المؤذنون.

                                هكذا بلفظ الجماعة.

                                قال: ومعلوم عند العلماء أنه جائز أن يكون المؤذنون واحدا وجماعة في كل صلاة، إذا كان ذلك مترادفا، لا يمنع من إقامة الصلاة في وقتها.

                                وذكر من كلام الشافعي ، أنه قال: إذا قعد الإمام أخذ المؤذنون في الأذان.

                                [ ص: 456 ] ومن كلام الطحاوي في " مختصره ": حكاية قول أبي حنيفة وأصحابه: إذا جلس الإمام على المنبر، وأذن المؤذنون بين يديه - بلفظ الجمع.

                                ووقع في كلام الخرقي من أصحابنا: وأخذ المؤذنون في الأذان - بلفظ الجمع.

                                وقال مكحول : إن النداء كان في الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الإمام، ثم تقام الصلاة، فأمر عثمان أن ينادى قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس.

                                خرجه ابن أبي حاتم .

                                قال حرب : قلت لأحمد : فالأذان يوم الجمعة إذا أذن على المنارة عدة؟ قال: لا بأس بذلك، قد كان يؤذن للنبي -صلى الله عليه وسلم- بلال وابن أم مكتوم ، وجاء أبو محذورة وقد أذن رجل قبله، فأذن أبو محذورة .

                                وظاهر هذا: أنه لو أذن على المنارة مؤذن بعد مؤذن جاز، وهذا قبل خروج الإمام.

                                وقال القاضي أبو يعلى : يستحب أن يكون المؤذن للجمعة واحدا، فإن أذن أكثر من واحد جاز، ولم يكره.

                                ومراده: إذا أذنوا دفعة واحدة بين يدي الإمام، أو أذنوا قبل خروجه تترى، فأما إن أذنوا بعد جلوسه على المنبر، مرة بعد مرة، فلا شك في كراهته، وأنه لم يعلم وقوعها في الإسلام قط.

                                وكذا قال كثير من أصحاب الشافعي : إنه يستحب أن يكون للجمعة أذان واحد عند المنبر، ويستحب أن يكون المؤذن واحدا؛ لأنه لم يكن يؤذن للجمعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بلال .

                                ونقل المحاملي هذا الكلام عن الشافعي ، والذي نقله البويطي عن الشافعي يخالف ذلك؛ فإنه نقل عنه، أنه قال: النداء للجمعة هو الذي يكون والإمام [ ص: 457 ] على المنبر، يكون المؤذنون يستفتحون الأذان فوق المنارة جملة حين يجلس الإمام على المنبر، ليسمع الناس فيؤوبون إلى المسجد.

                                وهذا تصريح بأنهم يكونون جماعة، وأنهم يؤذنون على المنارة لإسماع الناس، لا بين يدي المنبر في المسجد.

                                وقد خرج البخاري في " صحيحه " هذا في " باب: رجم الحبلى "، من حديث ابن عباس ، قال: جلس عمر على المنبر يوم الجمعة، فلما سكت المؤذنون قام، فأثنى على الله - وذكر الحديث.

                                وروي عن المغيرة بن شعبة ، أنه كان له في الجمعة مؤذن واحد.

                                وخرج الإمام أحمد من رواية ابن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد، يكتبون من جاء، فإذا أذن وجلس الإمام على المنبر طووا الصحف، ودخلوا المسجد يستمعون الذكر ".

                                وهذا لفظ غريب.

                                وروى عبد الرزاق بإسناده، عن موسى بن طلحة ، قال: رأيت عثمان بن عفان جالسا على المنبر في يوم الجمعة، والمؤذنون يؤذنون يوم الجمعة، وهو يسأل الناس عن أسعارهم وأخبارهم.

                                ويحتمل أن يكون مراد من قال: " المؤذن " - بلفظ الإفراد -: الجنس، لا الواحد، فلا يبقى فيه دلالة على كونه واحدا.



                                الخدمات العلمية