الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (49) قوله تعالى : يغاث الناس : يجوز أن تكون الألف عن واو ، وأن تكون عن ياء : إما من الغوث وهو الفرج ، وفعله رباعي يقال : أغاثنا الله ، من الغوث ، وإما من الغيث وهو المطر يقال : " غيثت البلاد " ، أي : مطرت ، وفعله ثلاثي يقال : غاثنا الله من الغيث . وقالت أعرابية : " غثنا ما شئنا " ، أي : مطرنا ما أردنا " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 511 ] قوله : يعصرون قرأ الأخوان " تعصرون " بالخطاب ، والباقون بياء الغيبة ، وهما واضحتان ، لتقدم مخاطب وغائب ، فكل قراءة ترجع إلى ما يليق به . و " يعصرون " يحتمل أوجها ، أظهرها : أنه من عصر العنب أو الزيتون أو نحو ذلك . والثاني : أنه من عصر الضرع إذا حلبه . والثالث : أنه من العصرة وهي النجاة ، والعصر : المنجى . وقال أبو زبيد في عثمان رضي الله عنه :


                                                                                                                                                                                                                                      2800 - صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود

                                                                                                                                                                                                                                      ويعضد هذا الوجه مطابقة قوله فيه يغاث الناس يقال : عصره يعصره ، أي : أنجاه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ جعفر بن محمد والأعرج : " يعصرون " بالياء من تحت ، وعيسى البصرة بالتاء من فوق ، وهو في كلتا القراءتين مبني للمفعول . وفي هاتين القراءتين تأويلان ، أحدهما : أنها من عصره ، إذا أنجاه ، قال الزمخشري : " وهو مطابق للإغاثة " . والثاني : قاله قطرب أنها من الإعصار ، وهو إمطار السحابة الماء كقوله : وأنزلنا من المعصرات . قال الزمخشري : " وقرئ " يعصرون " : يمطرون من أعصرت السحابة ، وفيه وجهان : إما أن يضمن أعصرت معنى مطرت فيعدى تعديته ، وإما أن يقال : الأصل : أعصرت [ ص: 512 ] عليهم فحذف الجار وأوصل الفعل [إلى ضميرهم ، أو يسند الإعصار إليهم مجازا فجعلوا معصرين " ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي : " تعصرون " بكسر التاء والعين والصاد مشددة ، وأصلها تعتصرون فأدغم التاء في الصاد ، وأتبع العين للصاد ، ثم أتبع التاء للعين ، وتقدم تحريره في أمن لا يهدي .

                                                                                                                                                                                                                                      ونقل النقاش قراءة " يعصرون " بضم الياء وفتح العين وكسر الصاد مشددة من " عصر " للتكثير . وهذه القراءة وقراءة زيد المتقدمة تحتملان أن يكونا من العصر للنبات أو الضرع ، أو النجاة كقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      2801 - لو بغير الماء حلقي شرق     كنت كالغصان بالماء اعتصاري

                                                                                                                                                                                                                                      أي : نجاتي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية