الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى

                                                                                                                                                                                                الضنك : مصدر يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث ، وقرئ : "ضنكى " : على فعلى ، ومعنى ذلك : أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته ، فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة ، فيعيش عيشا رافعا ؛ كما قال عز وجل : فلنحيينه حياة طيبة [النحل : 97 ] ، والمعرض عن الدين ، مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا ، مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق ، فعيشه ضنك وحاله مظلمة ، كما قال بعض المتصوفة : لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه ، ومن الكفرة من ضرب الله عليه الذلة والمسكنة ؛ لكفره ، قال الله تعالى : وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون [البقرة : 61 ] ، وقال : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم [المائدة : 66 ] ، وقال : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [الأعراف : 96 ] وقال : استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا [نوح : 11 ] وقال : وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا [الجن : 16 ] ، وعن [ ص: 118 ] الحسن : هو الضريع والزقوم في النار ، وعن أبي سعيد الخدري : "عذاب القبر " ، وقرئ : "ونحشره " : بالجزم ، عطفا على محل : فإن له معيشة ضنكا ؛ لأنه جواب الشرط ، وقرئ : "ونحشره " : بسكون الهاء على لفظ الوقف ، وهذا مثل قوله : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما [الإسراء : 97 ] ، وكما فسر الزرق بالعمى ، "وكذلك" أي : مثل ذلك فعلت أنت ، ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة ، فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر ، وتركتها وعميت عنها ، فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية