الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1424 - مسألة : وبيع المسك في نافجته مع النافجة ، والنوى في التمر مع التمر ، وما في داخل البيض مع البيض ، والجزر ، واللوز ، والفستق ، والصنوبر ، والبلوط ، والقسطل ، وكل ذي قشر مع قشره - كان عليه قشران أو واحد - والعسل مع الشمع في شمعه ، والشاة المذبوحة في جلدها مع جلدها : جائز كل ذلك .

                                                                                                                                                                                          وهكذا كل ما خلقه الله تعالى كما هو مما يكون ما في داخله بعضا له .

                                                                                                                                                                                          وكذلك الزيتون بما فيه من الزيت ، والسمسم بما فيه من الدهن ، والإناث بما في ضروعها من اللبن ، والبر ، والعلس في أكمامه مع الأكمام ، وفي سنبله مع السنبل : كل ذلك جائز حسن .

                                                                                                                                                                                          ولا يحل بيع شيء مغيب في غيره مما غيبه الناس إذا كان مما لم يره أحد - لا مع وعائه ولا دونه - فإن كان مما قد رئي : جاز بيعه على الصفة ، كالعسل ، والسمن في ظرفه ، واللبن كذلك ، والبر في وعائه ، وغير ذلك كله الجزر ، والبصل ، والكراث ، والسلجم ، والفجل ، قبل أن يقلع .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : ما له قشران فلا يجوز بيعه حتى يزال القشر الأعلى .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : كل جسم خلقه الله تعالى فله طول ، وعرض ، وعمق ، قال تعالى : { وأحل الله البيع } وكل ما ذكرنا فكذلك بيعه بنص القرآن جائز . [ ص: 291 ] وقد أجمعوا وصحت السنن المجمع عليها على جواز بيع التمر ، والعنب ، والزبيب ، وفيها النوى ، وأن النوى داخل في البيع .

                                                                                                                                                                                          وأجمعوا على جواز بيع البيض كما هو ، وإنما الغرض منه ما في داخله ، ودخل القشر في البيع بلا خلاف من أحد .

                                                                                                                                                                                          وكذلك الزيتون بما فيه من الزيت ، والسمسم بما فيه من الدهن ، والشاة المذبوحة كما هي - فليت شعري : ما الفرق بين ذلك وبين ما اختلفوا فيه ، المسك في نافجته مع النافجة ، والعسل في شمعه مع الشمع ؟ ولا سبيل إلى فرق لا في قرآن ، ولا في سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا تابع ولا قياس ، ولا معقول ، ولا رأي يصح ، وكل ذلك بيع قد أباحه الله تعالى ولم يخص منه شيئا ، وقد قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } لو كان حراما لفصله الله تعالى لنا ، فإذ لم يفصله فهو منصوص على تحليله .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : هو غرر ؟ قلنا : أو ليس على قولكم هذا سائر ما ذكرنا غررا أيضا ؟ وإلا فما الفرق ، وأما الحق فإنه ليس شيء منه غررا ; لأنه جسم واحد خلقه الله عز وجل كما هو وكل ما في داخله بعض لجملته .

                                                                                                                                                                                          وأما قول الشافعي فظاهر الفساد ; لأنه لا فرق في مغيب المعرفة بصفة ما في القشر - بين كونه في قشر واحد ، وبين كونه في قشرين ، أو أكثر - وهو قد أجاز بيع البيض في غلافين بالعيان ، إحداهما : القشر الظاهر ، وهو القيض ، والثاني : الغرقئ ، ولا غرض للمشتري إلا فيما فيهما ، لا فيهما - مع أنه قول لا نعلمه عن أحد قبله .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : إن ما قدرنا على إزالته من الغرر فعلينا أن نزيله ؟ قلنا : وإنكم لقادرون على إزالة القشر الثاني فأزيلوه ولا بد ، لأنه غرر - .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : لا ذلك ضرر على اللوز ، والجوز ، والقسطل ، والبلوط ؟ قلنا : لا ، ما فيه ضرر على البلوط ، ولا على القسطل ، ولا على اللوز - في الأكثر - .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فلا ضرر على التمر في إزالة نواه . [ ص: 292 ] وأيضا : فما علمنا حراما يحله خوف ضرر على فاكهة لو خيف عليها ، ولو أن امرءا له رطب لا ييبس ولم يجد من يشتريه منه إلا بتمر يابس لما حل له بيعه خوف الضرر .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لو أن امرءا خاف عدوا ظالما على ثمرته ولم يكن بدا صلاحها لم يحل بيعها خوف الضرر عليها ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية