الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين

[توجيه المعتصم إلى الأفشين جعفر بن دينار مددا له]

فمن الحوادث فيها:

أن المعتصم وجه إلى الأفشين جعفر بن دينار مددا له ، ثم أتبعه بإيتاخ ، ووجه معه ثلاثين ألف ألف درهم عطاء للجند والنفقات ، وذلك بعد انقضاء الشتاء ، فوقعت وقعة بين أصحاب الأفشين ، وقائد بابك يقال له: آذين .

وانقض ليلة السبت لست خلون من ربيع الآخر نجم لم ير أعظم منه حتى نودي بالنفير في الرقة وكور الجزيرة والسابات .

وظهر في هذه السنة من الفأر ما لم يحط به الإحصاء ، وأتى على غلات الناس ، ثم تفانى بوقوع الموت فيه .

فتح البذ وهي مدينة بابك

وفي هذه السنة: فتحت البذ وهي مدينة بابك ، ودخلها المسلمون ، فاستباحوها ، وذلك في يوم الجمعة لعشر مضين من رمضان .

وشرح الحال: أن الأفشين لما عزم على الدنو من البذ جعل يزحف قليلا حتى ضج الناس فقالوا: كم نقعد ها هنا في المضيق ، أقدم بنا ، فإما لنا وإما علينا ، وهو مصابر ، فأتاه رسول بابك ومعه قثاء وبطيخ وخيار ، اعلم أنني قد علمت أنك في جفاء [ ص: 74 ] بأكلك الكعك والسويق ثم جاءت الخرمية في ثلاثة كراديس ، وقد كمن لهم الأفشين في الأودية ، فشد عليهم الخيل والرجالة ، فتسلقوا في الجبال ، وبقي الأفشين مدة يتقدم كل يوم ، فيقف بإزاء بابك ، ثم يرجع من غير قتال إلى أن عبأ لهم كمينا فجاءهم من فوقهم ، وجاء بمن معه فأخذ قوتهم ، فأقبل بابك فقال: أريد الأمان من أمير المؤمنين على أن أحمل عيالي وأذهب فأشتغل عنه بالحرب .

ودخل المسلمون البلدة وأحرقوا وقتلوا وهزموا ، فأفلت بابك في جماعة ، فاستتر في غيضة ، وجاء كتاب المعتصم بالأمان لبابك ، فقال الأفشين لولد بابك وأصحابه: هذا ما لم أكن أرجوه من أمير المؤمنين لبابك ، فمن يذهب به إليه؟ فأخذه رجلان ، وكتب معهما ولد بابك يقول له: صر إلى الأمان فهو خير لك ، فلما حملاه إليه قتل أحدهما وقال للآخر: اذهب إلى ابن الفاعلة يعني ابنه ، وقل له: لو كنت ابني لكنت قد لحقت بي ، ثم خرج من ذلك المكان ، وقد كمن له العسكر ، فطلبوه فأفلت إلى جبال أرمينية ، فلقيه رجل نصراني يقال له سهل الأرمني أحد بطارقة أرمينية ، فقال له : انزل عندي . فنزل وكتب ذلك الرجل إلى الأفشين ، ثم قال الرجل لبابك: أنت ها هنا مكانك مغموم في جوف حصن ، وها هنا واد طيب ، فلو أخذنا معنا بازيا ، وخرجنا نتفرج على الصيد . فقال له بابك: إذا شئت فانفذ الغداة ، وكتب الرجل يعلم أصحاب الأفشين بذلك ويأمرهم بالبكور ، فبكروا فوجدوه فأخذوه فحملوه [إلى الأفشين] لعشر خلون من شوال .

وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف ولمن جاء برأسه ألف ألف ، فكتب الأفشين إلى المعتصم يخبره أنه قد أسر بابك وأخاه ، فكتب المعتصم يأمره بالقدوم بهما عليه ، فقال الأفشين لبابك : إني أريد أن أسافر بك ، فما الذي تشتهي [ ص: 75 ] من بلاد أذربيجان؟ فقال: أشتهي أن أنظر إلى مدينتي [البذ] فوجه معه قوما إلى البذ ، فدار فيه ونظر إلى القتلى والبيوت ، ثم رد .

قال الصولي: ووصل المعتصم سهلا النصراني بألفي ألف درهم ، ووهب له جوهرا كثيرا ، وترك له خراج عشرين سنة .

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود .

التالي السابق


الخدمات العلمية