الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون

                                                                                                                                                                                                                                      قيل : الخطاب لأهل نجران بدليل ما تقدم قبل هذه الآية ، وقيل : ليهود المدينة ، وقيل : لليهود والنصارى جميعا ، وهو ظاهر النظم القرآني ، ولا وجه لتخصيصه بالبعض ; لأن هذه دعوة عامة لا تختص بأولئك الذين حاجوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . والسواء : العدل .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : يقال في المعنى : العدل سوى وسواء ، فإذا فتحت السين مددت ، وإذا ضممت أو كسرت قصرت . قال زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      أروي خطة لا ضيم فيها يروي نبتها فيها السواء

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قراءة ابن مسعود : إلى كلمة عدل بيننا وبينكم فالمعنى : أقبلوا إلى ما دعيتم إليه ، وهي الكلمة العادلة المستقيمة التي ليس فيها ميل عن الحق ، وقد فسرها بقوله : ألا نعبد إلا الله وهو في موضع خفض على البدل من كلمة ، أو رفع على إضمار مبتدأ ; أي : هي أن لا نعبد ، ويجوز أن تكون أن مفسرة لا موضع للجملة التي دخلت عليها ، وفي قوله : ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا تبكيت لمن اعتقد ربوبية المسيح وعزير ، وإشارة إلى أن هؤلاء من جنس البشر وبعض منهم ، وإزراء على من قلد الرجال في دين الله فحلل ما حللوه له ، وحرم ما حرموه عليه ، فإن من فعل ذلك فقد اتخذ من قلده ربا ، ومنه اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ التوبة : 84 ] وقد جوز الكسائي والفراء الجزم في ( ولا نشرك ) ( ولا يتخذ ) على التوهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فإن تولوا أي أعرضوا عما دعوا إليه فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون أي : منقادون لأحكامه مرتضون به معترفون بما أنعم الله به علينا من هذا الدين القويم . وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس قال : ( حدثني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإذا توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، إلى قوله : بأنا مسلمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكفار تعالوا إلى كلمة الآية . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا يهود المدينة إلى ما في هذه الآية فأبوا عليه ، فجاهدهم حتى أقروا بالجزية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء . وأخرج ابن جرير عن الربيع نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة إلى كلمة سواء قال : عدل . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله : ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا قال : لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله ، ويقال : إن تلك الربوبية أن يطيع الناس ساداتهم وقادتهم في غير عبادة وإن لم يصلوا لهم . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا قال : سجود بعضهم لبعض .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية