الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى

                                                                                                                                                                                                بحمد ربك : في موضع الحال ، أي : وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه ، والمراد بالتسبيح : الصلاة ، أو على ظاهر قدم الفعل على الأوقات أولا ، والأوقات على الفعل آخرا ، فكأنه قال : صل لله قبل طلوع الشمس ، يعني : الفجر ، وقبل غروبها ، يعني : الظهر والعصر ؛ لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها ، وتعمد آناء الليل وأطراف النهار مختصا لهما بصلاتك ؛ وذلك أن أفضل الذكر ما كان بالليل ، لاجتماع القلب وهدو الرجل والخلو بالرب ، وقال الله -عز وجل - : إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا [المزمل : 6 ] ، وقال : أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما [الزمر : 9 ] ولأن الليل وقت السكوت والراحة ، فإذا صرف إلى العبادة ، كانت على النفس أشد وأشق ، وللبدن أتعب وأنصب ، فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله ، وقد تناول التسبيح في آناء الليل صلاة العتمة ، وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار ؛ إرادة الاختصاص ، كما اختصت في قوله : "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" عند بعض المفسرين .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما وجه قوله : وأطراف النهار على الجمع ؛ وإنما هما طرفان كما قال : وأقم الصلاة طرفي النهار ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : الوجه أمن الإلباس ، وفي التثنية : زيادة بيان ، ونظير مجيء الأمرين في الآيتين : مجيئهما في قوله [من السريع أو الرجز ]

                                                                                                                                                                                                ظهراهما مثل ظهور الترسين

                                                                                                                                                                                                وقرئ : "وأطراف النهار" عطفا على آناء الليل ، ولعل للمخاطب ، أي : اذكر الله في هذه الأوقات ؛ طمعا ورجاء أن تنال عند الله ما به ترضي نفسك ويسر قلبك ، وقرئ : "ترضى " ، أي : يرضيك ربك .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية