الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ؛ تقرأ: "أمرنا"؛ مخففة؛ على تقدير: "فعلنا"؛ وتقرأ: "آمرنا مترفيها"؛ على تقدير: "أفعلنا"؛ ويقرأ: "أمرنا"؛ بتشديد الميم؛ فأما من قرأ بالتخفيف فهو من الأمر؛ المعنى: "أمرناهم بالطاعة ففسقوا"؛ فإن قال قائل: ألست تقول: "أمرت زيدا فضرب عمرا"؛ فالمعنى أنك أمرته أن يضرب عمرا فضربه؛ فهذا اللفظ لا يدل على [ ص: 232 ] غير الضرب؛ ومثل قوله: أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ؛ من الكلام: "أمرتك فعصيتني"؛ فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر ؛ وكذلك الفسق مخالفة أمر الله - جل ثناؤه -؛ وقد قيل: إنما معنى "أمرنا مترفيها": "كثرنا مترفيها"؛ والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير المال سكة مأبورة؛ ومهرة مأمورة" ؛ أي: مكثرة؛ والعرب تقول: "قد أمر بنو فلان"؛ إذا كثروا؛ قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يصيروا للهلك والنفد

                                                                                                                                                                                                                                        ويروى "بالنقد"؛ بالقاف؛ ومن قرأ: "آمرنا"؛ فتأويله "أكثرنا"؛ والكثرة ههنا يصلح أن تكون شيئين؛ أحدهما أن يكثر عدد المترفين؛ والآخر أن تكثر جدتهم ويسارهم؛ ومن قرأ: "أمرنا"؛ بالتشديد؛ فمعناه: "سلطنا مترفيها"؛ أي: جعلنا لهم إمرة وسلطانا.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية