الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين " سبب نزولها : أن رجلا من المسلمين دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن ، فقال رجل من المشركين : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل . قال الزجاج : ذكر الاثنين توكيد ، كما قال تعالى : " إنما هو إله واحد "

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وله الدين واصبا " في المراد بالدين أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه الإخلاص ، قاله مجاهد . والثاني : العبادة ، قاله سعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقامة الحدود، والفرائض ، قاله عكرمة . والرابع : الطاعة ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى " واصبا " أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : دائما ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، والثوري ، واللغويون . قال أبو الأسود الدؤلي :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 456 ]

                                                                                                                                                                                                                                      لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوما بذم الدهر أجمع واصبا



                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن قتيبة : معنى الكلام : أنه ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلكة ، غير الله عز وجل ، فإن الطاعة تدوم له .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : واجبا ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : خالصا ، قاله الربيع بن أنس .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : وله الدين موصبا ، أي : متعبا ، لأن الحق ثقيل ، وهو كما تقول العرب : هم ناصب ، أي : منصب ، قال النابغة :


                                                                                                                                                                                                                                      كليني لهم يا أميمة ناصب     وليل أقاسيه بطيء الكواكب



                                                                                                                                                                                                                                      ذكره ابن الأنباري . قال الزجاج : ويجوز أن يكون المعنى : له الدين ، والطاعة ، رضي العبد بما يؤمر به وسهل عليه ، أو لم يسهل ، فله الدين وإن كان فيه الوصب ، والوصب : شدة التعب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية