الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 431 ] ص ( المنطوق ) والمفهوم

            الدلالة منطوق ، وهو : ما دل عليه اللفظ في محل النطق ، والمفهوم ، بخلافه ، أي لا في محل النطق .

            والأول صريح ، وهو : ما وضع اللفظ له .

            وغير الصريح ، بخلافه ، وهو : ما يلزم عنه .

            فإن قصد وتوقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه فـ " دلالة اقتضاء " . مثل : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " .

            ( واسأل القرية ) وأعتق عبدك عني على ألف ، لاستدعائه تقدير الملك ، لتوقف العتق عليه .

            وإن لم يتوقف واقترن بحكم لو لم يكن لتعليله - كان بعيدا فـ " تنبيه وإيماء " كما سيأتي .

            وإن لم يقصد فـ " دلالة إشارة " .

            مثل - : " النساء ناقصات عقل ودين . قيل : وما نقصان دينهن ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - : تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي " ؛ فليس المقصود بيان أكثر [ ص: 432 ] الحيض وأقل الطهر ، ولكنه لزم من أن المبالغة ( في نقصان دينهن ) تقتضي ذكر ذلك .

            وكذلك ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) : مع ( وفصاله في عامين ) .

            ( وكذلك ) ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) يلزم منه جواز الإصباح جنبا .

            ومثله : ( فالآن باشروهن ) إلى ( حتى يتبين لكم ) .

            التالي السابق


            ش - الدلالة تنقسم إلى منطوق ومفهوم .

            والمنطوق : ما دل عليه اللفظ في محل النطق ؛ مثل : تحريم التأفيف . فإن قوله تعالى : فلا تقل لهما أف يدل عليه في محل النطق .

            والمفهوم بخلافه ، وهو : ما دل اللفظ عليه لا في محل [ ص: 433 ] النطق . مثل تحريم الضرب ؛ فإن قوله تعالى : فلا تقل لهما أف يدل عليه ، لكن لا في محل النطق .

            والمنطوق صريح وغير صريح .

            فالصريح : ما وضع له اللفظ .

            وغير الصريح بخلافه ، وهو : ما يلزم عما وضع له اللفظ .

            وغير الصريح لا يخلو إما أن يقصده المتكلم ، أو لا ، فإن قصده وتوقف صدق المتكلم عليه ، أو توقف الصحة العقلية عليه ، أو توقف الصحة الشرعية عليه ، يسمى دلالة اللفظ عليه " دلالة اقتضاء " .

            مثال ما توقف صدق المتكلم عليه : قوله - عليه السلام - : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " ؛ فإن ما هو لازم للمعنى الموضوع له لفظ الخطأ ، وهو حكم الخطأ مقصود منه ، وتوقف صدقه عليه .

            مثال ما توقف عليه الصحة العقلية : قوله تعالى : " واسأل القرية " . فإن ما هو لازم للمعنى الموضوع له لفظ القرية وهو [ ص: 434 ] الأهل ، مقصود منه ، وتوقف الصحة العقلية عليه ; لأن سؤال القرية غير صحيح عقلا .

            مثال ما توقف عليه الصحة الشرعية : قولك للغير : ( أعتق عبدك عني على ألف ; فإنه يستدعي التمليك ؛ لتوقف العتق عليه شرعا . فالتمليك لازم للمعنى الذي وضع له لفظ أعتق عني " ، وهو مقصود ، وتوقف عليه الصحة الشرعية .

            وإن لم يتوقف أحد هذه الثلاثة على ما يلزم عما وضع له اللفظ واقترن الملفوظ به بحكم لو لم يكن ذلك الحكم لتعليل الملفوظ به - كان الإتيان به بعيدا من الشارع فـ " تنبيه وإيماء " كما سيأتي في باب القياس .

            وإن لم يقصد المتكلم ما يلزم عما وضع له اللفظ ، لكن يحصل بالتبعية - فدلالة اللفظ عليه " دلالة إشارة " .

            مثل قوله - عليه السلام - : " النساء ناقصات عقل ودين ، قيل وما نقصان دينهن ; قال : تمكث إحداهن [ ص: 435 ] شطر دهرها لا تصلي " ، فليس المقصود من هذا القول : بيان أكثر الحيض وأقل الطهر ، ولكنه لزم منه أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما ، وأقل الطهر كذلك لأن ذكر شطر الدهر مبالغة في بيان نقصان دينهن ، ولو كان الحيض يزيد على خمسة عشر يوما لذكره . وكذلك قوله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) مع قوله : ( وفصاله في عامين ) يدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وإن لم يكن ذلك مقصودا من اللفظ ظاهرا .

            وكذلك قوله تعالى : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم يلزم منه جواز الإصباح جنبا ، وإن لم يكن مقصودا ; لأن من باشر آخر الليل لا بد وأن يتأخر غسله إلى النهار فحينئذ [ ص: 436 ] يلزم جواز الإصباح جنبا .

            وكذلك قوله تعالى : فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود يدل على جواز الإصباح جنبا ; لأنه يدل على جواز امتداد المباشرة إلى طلوع الفجر ، فحينئذ يلزم ما ذكرناه .




            الخدمات العلمية