الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1429 - مسألة : ومن باع ممن ذكرنا الظاهر دون المغيب ، أو باع مغيبا : يجوز بيعه بصفة ، كالصوف في الفراش ، والعسل في الظرف ، والثوب في الجراب ، فإنه إن كان المكان للبائع فعليه تمكين المشتري من أخذ ما اشترى ولا بد ، وإلا كان غاصبا مانع حق ، وعلى المشتري إزالة ماله عن مكان غيره ، وإلا كان غاصبا للمكان مانع حق ; فإن كان المكان للمشتري فعلى البائع نزع ماله عن مكان غيره ، وإلا كان ظالما مانع حق ، فإن كان المكان لهما جميعا فأيهما أراد تعجيل انتفاعه بمتاعه فعليه أخذه ، ولا يجبر الآخر على ما لا يريد تعجيله من أخذ متاعه .

                                                                                                                                                                                          فإن كان المكان لغيرهما فعليهما جميعا أن ينزع كل واحد منهما ماله من مكان غيره ، وإلا فهو ظالم مانع حق ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .

                                                                                                                                                                                          { ولقوله صلى الله عليه وسلم إذ قال سلمان لأبي الدرداء أعط كل ذي حق حقه ، فصدقه عليه السلام ، وصوب قوله } .

                                                                                                                                                                                          فمن باع تمرا دون نواها ، فأخذ التمرة وتخليصها من النوى على المشتري لأنه مأمور بأخذ متاعه ونقله وترك النوى مكانه - إن كان المكان للبائع - فإن أبى أجبر ، واستؤجر عليه من يزيل التمر عن النوى ، ولا يكلف البائع ذلك إلا أن يشاء ; لأنه لا يلزمه فتح ثمرة غيره ، ولا أن يعمل له فيه عملا .

                                                                                                                                                                                          فإن كان المكان للمشتري ، فإن أراد المشتري قلع ثمرته فله ذلك ، ولا يترك غيره يؤثر له فيها أثرا لا يريده ، فإن أبى المشتري من ذلك فعلى البائع إخراج نواه ونقله على ألطف ما يمكن ، ولا شيء عليه فإن تعدى ضمن مقدار تعديه في إفساد الثمرة . [ ص: 306 ] فإن كان المكان لهما ؟ فكما قلنا : أيهما أراد تعجيل أخذ متاعه فله أخذه ، فإن أراد ذلك الذي له النوى كان له إخراج نواه بألطف ما يمكن ، إذ لا بد له من ذلك ، ولا شيء عليه ; لأنه فعل مباحا له ، فإن تعدى ضمن .

                                                                                                                                                                                          فإن كان المكان لغيرهما أجبرا جميعا على العمل معا في تخليص كل واحد منهما ماله .

                                                                                                                                                                                          وهكذا القول في نافجة المسك ، والظروف دون ما فيها ، والقشور دون ما فيها ، والشمع دون العسل ، والتبن دون الحب ، وجلد الحيوان المذبوح أو المنحور ، ولحمة الزيتون ، والسمسم ، وكل ذي دهن .

                                                                                                                                                                                          وأما من باع الأرض دون البذر ، أو دون الزرع ، أو دون الشجر ، أو دون البناء ، فالحصاد على الذي له الزرع ، والقلع على الذي له الشجر ، والبناء والقطع أيضا عليه ; لأن فرضا عليه إزالة ماله عن أرض غيره .

                                                                                                                                                                                          ومن باع الحيوان دون اللبن ، أو دون الحمل ، فالحلب على الذي له اللبن ولا بد - وأجرة القابلة عليه أيضا ; لأن واجبا عليه إزالة لبنه عن ضرع حيوان غيره ، وليس على صاحب الحيوان إلا إمكانه من ذلك فقط ، لا خدمته في حلب لبنه .

                                                                                                                                                                                          وكذلك على الذي له ملك الولد : العمل في العون في أخذ مملوكه ، أو مملوكته في بطن أمة غيره بما أبيح له من ذلك .

                                                                                                                                                                                          ومن باع سارية خشب ، أو حجر في بناء فعلى المشتري قلع ذلك بألطف ما يقدر عليه من التدعيم لما حول السارية من البناء ، وهدم ما حواليها مما لا بد له من هدمه ، ولا شيء عليه في ذلك ; لأن له أخذ متاعه كما يقدر .

                                                                                                                                                                                          ومن هو مأمور بشيء ، ويعمل في شيء فلا ضمان عليه ; لأنه يفعل ما يفعل من ذلك : محسن ، وقد قال الله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } ، { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق } فإن تعدى ضمن لما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية