الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2286 [ ص: 538 ] باب رمي جمرة العقبة يوم النحر، على الراحلة

                                                                                                                              وقال النووي: (باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم : لتأخذوا مناسككم) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 44 - 45 ج 9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن جريج. أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: "لتأخذوا مناسككم. فإني لا أدري! لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر) " رضي الله عنه " (قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، يرمي على راحلته يوم النحر) .

                                                                                                                              قال في (شرح المنتقى) : استدل به على: أن رمي الراكب لجمرة العقبة ، أفضل من رمي الراجل. وبه قالت الشافعية ، والحنفية.

                                                                                                                              وقيل: إن رمي الراجل أفضل. وأجيب عن الحديث: بأنه صلى الله عليه وسلم كان راكبا ، لعذر الازدحام. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي: فيه: أنه يستحب لمن وصل (منى) راكبا ، أن يرمي [ ص: 539 ] جمرة العقبة يوم النحر راكبا. ولو رماها ماشيا جاز. وأما من وصلها ماشيا ، فيرميها ماشيا. وهذا في يوم النحر.

                                                                                                                              وأما اليومان الأولان من أيام التشريق ; فالسنة: أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشيا.

                                                                                                                              وفي اليوم الثالث ، يرمي راكبا وينفر.

                                                                                                                              قال: هذا كله ، مذهب مالك والشافعي وغيرهما.

                                                                                                                              وقال أحمد وإسحاق: يستحب يوم النحر ، أن يرمي ماشيا.

                                                                                                                              قال ابن المنذر: وكان ابن عمر ، وابن الزبير ، وسالم ، يرمون مشاة.

                                                                                                                              قال: وأجمعوا على أن الرمي ، يجزيه على أي حال رماه ، إذا وقع في المرمى.

                                                                                                                              (ويقول: " لتأخذوا ") بكسر اللام.

                                                                                                                              قال النووي: هي لام الأمر. ومعناه: (خذوا) . وهكذا وقع في رواية غير مسلم ، قال القرطبي " رحمه الله ": روايتنا لهذا الحديث بالنون.

                                                                                                                              أي: يقول لنا: " خذوا ". فيكون (لنا) صلة للقول. قال: وهو الأفصح. وقد روي (لتأخذوا) بالتاء ، وهي لغة شاذة ، قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قوله تعالى: (فبذلك فلتفرحوا) . انتهى.

                                                                                                                              قال في (النيل) : والأولى أن يقال: إنها قليلة ، لا شاذة ، لورودها [ ص: 540 ] في كتاب الله ، وفي كلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي كلام فصحاء العرب.

                                                                                                                              (مناسككم) .

                                                                                                                              قال النووي: وتقدير الحديث: أن هذه الأمور ، التي أتيت بها في حجي: من الأقوال، والأفعال ، والهيئات ، هي أمور الحج وصفته. وهي مناسككم ، فخذوها عني ، واقبلوها واحفظوها ، واعملوا بها ، وعلموها الناس.

                                                                                                                              قال: وهذا الحديث ، أصل عظيم في مناسك الحج. وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (صلوا كما رأيتموني أصلي) . انتهى.

                                                                                                                              قلت: واللازم من هذين الأصلين: أن الأصل الأصيل ، والأس الجليل ، في أفعال الحج والصلاة: هو الوجوب ، إلا ما خرج بدليل.

                                                                                                                              وبهذا قال أهل الظاهر ، وحكي عن الشافعي ، ورجحه القاضي الشوكاني في مواضع من مؤلفاته ، وهو الحق الحقيق بالقبول والاتباع.

                                                                                                                              (فإني لا أدري ! لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) .

                                                                                                                              فيه: إشارة إلى توديعهم ، وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم ، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه ، وانتهاز الفرصة من ملازمته ، وتعلم أمور الدين ، وبهذا سميت: (حجة الوداع) .




                                                                                                                              الخدمات العلمية