الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (70) قوله تعالى : جعل السقاية : العامة على " جعل " دون زيادة واو قبلها . وقرأ عبد الله " وجعل " ، وهي تحتمل وجهين ، أحدهما : أن الجواب محذوف . والثاني : أن الواو مزيدة في الجواب على رأي من يرى ذلك ، وهم الكوفيون والأخفش . وقال الشيخ : " وقرأ عبد الله فيما نقل الزمخشري " وجعل السقاية في رحل أخيه : أمهلهم حتى انطلقوا ثم أذن مؤذن " ، وفي نقل ابن عطية " وجعل " بزيادة واو في " جعل " ، دون الزيادة التي زادها الزمخشري بعد قوله : في رحل أخيه ، فاحتمل أن تكون الواو زائدة على مذهب الكوفيين ، واحتمل أن يكون جواب " لما " محذوفا تقديره : فقدها حافظها ، كما قيل : إنما أوحي إلى يوسف أن يجعل السقاية فقط ، ثم إن حافظها فقدها فنادى برأيه فيما ظهر له ، ورجحه الطبري . وتفتيش الأوعية يرد هذا القول " .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : لم ينقل الزمخشري هذه الزيادة كلها قراءة عن عبد الله ، إنما جعل الزيادة المذكورة بعد قوله : " رحل أخيه " تقدير جواب من عنده ، وهذا نصه : قال الزمخشري : " وقرأ ابن مسعود " وجعل السقاية " على حذف [ ص: 525 ] جواب " لما " كأنه قيل : فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية في رحل أخيه أمهلهم حتى انطلقوا ثم أذن مؤذن " فهذا من الزمخشري إنما هو تقدير لا تلاوة منقولة عن عبد الله ، ولعله وقع للشيخ نسخة سقيمة .

                                                                                                                                                                                                                                      والسقاية : إناء مستطيل يسقى به وهو الصواع ، وللمفسرين فيه خلاف طويل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أيتها العير منادى حذف منه حرف النداء والعير مؤنث ، ولذلك أتت " أي " المتوصل بها إلى ندائه . والعير فيها قولان ، أحدهما : أنها في الأصل جماعة الإبل سميت بذلك لأنها تعير ، أي : تذهب وتجيء به . والثاني : أنها في الأصل قافلة الحمير كأنها جمع عير ، والعير : والعير : الحمار . قال :


                                                                                                                                                                                                                                      2808 - ولا يقيم على ضيم يراد به إلا الأذلان عير الحي والوتد

                                                                                                                                                                                                                                      والأصل : عير وعير بضم العين ثم فعل به ما فعل بـ " بيض " ، والأصل : بيض بضم الأول ، ثم أطلق العير على كل قافلة حميرا كن أو غيرها ، وعلى كل تقدير فنسبة النداء إليها على سبيل المجاز ، لأن المنادى في الحقيقة أهلها . ونظره الزمخشري بقوله : " يا خيل الله اركبي " ، إلا أنه في هذه الآية التفت إلى المضاف المحذوف في قوله : " إنكم لسارقون " ولم يلتفت إليه في " يا خيل الله اركبي " ، ولو التفت لقال : اركبوا . ويجوز أن يعبر عن أهلها للمجاورة فلا يكون من مجاز الحذف ، بل من مجاز العلاقة .

                                                                                                                                                                                                                                      وتجمعه العرب قاطبة ، على عيرات بفتح الياء ، وهذا مما اتفق على شذوذه ؛ لأن فعلة [ ص: 526 ] المعتلة بالعين حقها في جمعها بالألف والتاء أن تسكن عينها نحو : قيمة وقيمات وديمة وديمات ، وكذلك فعل دون ياء إذا جمع حقه أن تسكن عينه . وقال امرؤ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      2809 - غشيت ديار الحي بالبكرات     فعارمة فبرقة العيرات

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأعلم الشنتمري : " العيرات هنا : مواضع الأعيار وهي الحمر " قلت : وفي عيرات شذوذ آخر وهو جمعها بالألف والتاء مع جمعها على " أعيار " أيضا جمع تكسير ، وقد نصوا على ذلك . قيل : ولذلك لحن المتنبي في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2810 - إذا كان بعض الناس سيفا لدولة     ففي الناس بوقات لهم وطبول

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا : فجمع بوقا على بوقات مع تكسيرهم له على أبواق .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية