الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 308 ] مسألة : وبيع القصيل قبل أن يسنبل : جائز وللبائع أن يتطوع للمشتري بتركه ما شاء إلى أن يرعاه ، أو إلى أن يحصده ، أو إلى أن - ييبس بغير شرط ، فإن غفل عنه حتى زاد فيه أولادا من أصله لم تكن ظاهرة إذا اشتراه فاختصما فيها : فأيهما أقام البينة بمقدار المبيع : قضي بها ، ولم يكن للمشتري إلا القدر الذي اشترى ، وكانت الزيادة من الأولاد للبائع ، فإن لم تكن له بينة : حلفا ، وقسمت الزيادة التي يتداعيانها بينهما .

                                                                                                                                                                                          وأما السنبل ، والخروب ، والحب : فللمشتري على كل حال ، وكذلك ما زاد في طوله ، فإذا سنبل الزرع لم يحل بيعه أصلا - لا على القطع ولا على الترك - إلا حتى يشتد ، فإذا اشتد : حل بيعها حينئذ .

                                                                                                                                                                                          برهان صحة بيع القصيل قبل أن يسنبل - : قول الله تعالى : { وأحل الله البيع } .

                                                                                                                                                                                          وقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فالبيع كله حلال ، إلا بيعا منع منه نص قرآن أو سنة ، ولم يأت في منع بيع الزرع مذ ينبت إلى أن يسنبل : نص أصلا .

                                                                                                                                                                                          وبرهان تحريم بيعه إذا سنبل إلى أن يشتد - : ما رويناه من طريق مسلم نا علي بن حجر ، وزهير بن حرب ، قالا جميعا : نا إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة - نهى البائع والمشتري } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي داود نا الحسن بن علي نا أبو الوليد - هو الطيالسي - عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد } ولا يصح غير هذا أصلا .

                                                                                                                                                                                          وهكذا روينا عن جمهور السلف - : روينا من طريق وكيع نا إسرائيل بن يونس عن جابر عن الشعبي عن مسروق عن [ ص: 309 ] عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، قالا جميعا : لا يباع النخل حتى يحمر ، ولا السنبل حتى يصفر .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين قال : نهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ، وعن السنبل حتى يبيض .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن عاصم عن ابن سيرين قال : لا يشترى السنبل حتى يبيض .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع نا الربيع - هو ابن صبيح - عن الحسن أنه كره بيع السنبل حتى يبيض .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني ، قال : سألت عكرمة عن بيع القصيل ؟ فقال : لا بأس ، فقلت : إنه يسنبل ؟ فكرهه - وهذا هو نفس قولنا ، فلم يستثن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ منع من بيع السنبل حتى يشتد ، أو يبيض : جواز بيعه على الحصاد { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ، { وما كان ربك نسيا } .

                                                                                                                                                                                          وكذلك عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، لا مخالف لهما نعلمه من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فإن حصاد السنبل رطبا لم يجز بيعه أيضا ; لأنه سنبل يمكن فيه بعد أن يشتد ويبيض - وكذلك إن صفي فصار حبا ولا فرق ، للنهي عن ذلك أيضا .

                                                                                                                                                                                          فإن كان إن ترك لم ييبس ، ولكن يفسد : جاز بيعه ; لأنه قد خرج عن الصفة التي جاء النهي عن بيع ما هي فيه .

                                                                                                                                                                                          والسنبل في لغة العرب معروف وهو في القمح والشعير ، والعلس ، والدخن ، والسلت ، وسائر ما يسمى في اللغة " سنبلا "

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية