الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( والنطيحة )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : "النطيحة" ، الشاة التي تنطحها أخرى فتموت من النطاح بغير تذكية . فحرم الله جل ثناؤه ذلك على المؤمنين ، إن لم يدركوا ذكاته قبل موته .

وأصل"النطيحة" ، "المنطوحة" ، صرفت من"مفعولة" إلى"فعيلة" .

فإن قال قائل : وكيف أثبتت"الهاء" هاء التأنيث فيها ، وأنت تعلم أن العرب لا تكاد تثبت"الهاء" في نظائرها إذا صرفوها صرف"النطيحة" من"مفعول" إلى"فعيل" ، إنما تقول : "لحية دهين" و"عين كحيل" و"كف خضيب" ، ولا يقولون : كف خضيبة ، ولا عين كحيلة ؟

قيل : قد اختلف أهل العربية في ذلك .

فقال بعض نحويي البصرة : أثبتت فيها"الهاء" أعني في"النطيحة" لأنها جعلت كالاسم مثل : "الطويلة" و"الطريقة" .

فكأن قائل هذا القول ، وجه"النطيحة" إلى معنى"الناطحة" .

[ ص: 500 ]

فتأويل الكلام على مذهبه : وحرمت عليكم الميتة نطاحا ، كأنه عنى : وحرمت عليكم الناطحة التي تموت من نطاحها .

وقال بعض نحويي الكوفة : إنما تحذف العرب"الهاء" من"الفعيلة" المصروفة عن"المفعول" ، إذا جعلتها صفة لاسم قد تقدمها ، فتقول : "رأينا كفا خضيبا ، وعينا كحيلا" ، فأما إذا حذفت"الكف" و"العين" والاسم الذي يكون"فعيل" نعتا لها ، واجتزءوا ب "فعيل" منها ، أثبتوا فيه هاء التأنيث ، ليعلم بثبوتها فيه أنها صفة للمؤنث دون المذكر ، فتقول : "رأينا كحيلة وخضيبة" و"أكيلة السبع" . قالوا : ولذلك أدخلت"الهاء" في"النطيحة" ، لأنها صفة المؤنث ، ولو أسقطت منها لم يدر أهي صفة مؤنث أو مذكر .

وهذا القول هو أولى القولين في ذلك بالصواب ، لشائع أقوال أهل التأويل بأن معنى : "النطيحة" ، المنطوحة .

ذكر من قال ذلك :

11021 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن أبي عباس قوله : "والنطيحة" ، قال : الشاة تنطح الشاة .

11022 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، عن قيس ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال : كان يقرأ : ( والمنطوحة ) .

11023 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : "والنطيحة" ، الشاتان ينتطحان فيموتان .

11024 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "والنطيحة" ، هي التي تنطحها الغنم والبقر فتموت .

[ ص: 501 ] يقول : هذا حرام ، لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه .

11025 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والنطيحة" ، كان الكبشان ينتطحان ، فيموت أحدهما ، فيأكلونه .

11026 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا روح قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " والنطيحة " ، الكبشان ينتطحان ، فيقتل أحدهما الآخر ، فيأكلونه .

11027 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : "والنطيحة" ، قال : الشاة تنطح الشاة فتموت .

التالي السابق


الخدمات العلمية