الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2295 [ ص: 546 ] باب في الحلاق والتقصير

                                                                                                                              وهو في النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 51 ج 9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله! وللمقصرين؟ قال: "اللهم! اغفر للمحلقين"

                                                                                                                              قالوا: يا رسول الله! وللمقصرين؟ قال: "اللهم! اغفر للمحلقين"

                                                                                                                              قالوا: يا رسول الله! وللمقصرين؟ قال: "وللمقصرين".]
                                                                                                                              .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) " رضي الله عنه " ; (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم ! اغفر للمحلقين ". ولفظ أبي داود: (ارحم) .

                                                                                                                              وفيه: دليل على الترحم على الحي ، وعدم اختصاصه بالميت.

                                                                                                                              (قالوا: يا رسول الله ! وللمقصرين ؟ قال: " اللهم ! اغفر للمحلقين " قالوا: يا رسول الله ! وللمقصرين ؟ قال: " اللهم ! اغفر للمحلقين " قالوا: يا رسول الله ! وللمقصرين ؟ قال: " وللمقصرين ".) .

                                                                                                                              فيه: تصريح بجواز الاقتصار على أحد الأمرين: إن شاء اقتصر على الحلق ، وإن شاء على التقصير.

                                                                                                                              [ ص: 547 ] وقد أجمع العلماء على ذلك. إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري:

                                                                                                                              أنه كان يقول: يلزمه الحلق في أول حجة ، ولا يجزيه التقصير.

                                                                                                                              قال النووي. وهذا " إن صح عنه " ، مردود بالنصوص ، وإجماع من قبله.

                                                                                                                              قال في (شرح المنتقى) : فيه دلالة على أن الحلق أفضل من التقصير ; لتكريره صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلقين ، وترك الدعاء للمقصرين: في المرة الأولى والثانية ، مع سؤالهم له ذلك.

                                                                                                                              وظاهر صيغة المحلقين: أنه يشرع حلق جميع الرأس ، لأنه الذي تقتضيه الصيغة. إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه: إنه حلقه ، إلا مجازا.

                                                                                                                              وقد قال " بوجوب حلق الجميع ": أحمد ، ومالك.

                                                                                                                              واستحبه الكوفيون ، والشافعي ، ويجزي البعض عندهم. واختلفوا في مقداره.

                                                                                                                              فعن الحنفية: الربع. إلا أن أبا يوسف قال: النصف.

                                                                                                                              وعن الشافعي: أقل ما يجب: حلق ثلاث شعرات. وفي وجه: شعرة واحدة. وهكذا الخلاف في التقصير. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي: يستحب أن لا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة ، من أطراف الشعر. فإن قصر دونها جاز. لحصول اسم التقصير. [ ص: 548 ] والمشروع في حق النساء: التقصير. ويكره لهن الحلق. فلو حلقن حصل النسك.

                                                                                                                              ويقوم مقام الحلق والتقصير: النتف ، والإحراق ، والقص ، وغير ذلك ، من أنواع إزالة الشعر.

                                                                                                                              ووجه فضيلة الحلق على التقصير: أنه أبلغ في العبادة. وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى. ولأن المقصر مبق على نفسه الشعر ، الذي هو زينة ، والحاج مأمور بترك الزينة. بل هو أشعث وأغبر.

                                                                                                                              والأفضل في الحلق والتقصير: أن يكون بعد رمي جمرة العقبة ، وبعد ذبح الهدي إن كان معه ، وقبل طواف الإفاضة. وسواء كان قارنا أو مفردا.

                                                                                                                              وقال ابن الجهم المالكي: لا يحلق القارن حتى يطوف ويسعى.

                                                                                                                              قال النووي: وهذا باطل ، مردود بالنصوص وإجماع من قبله.

                                                                                                                              وقد ثبتت الأحاديث: بأن النبي صلى الله عليه وسلم ، حلق قبل طواف الإفاضة. وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم ، كان قارنا في آخر أمره.

                                                                                                                              ولو لبد المحرم ، فالصحيح المشهور من مذهب الشافعية: أنه يستحب له حلقه في وقت الحلق. ولا يلزمه ذلك.

                                                                                                                              وقال جمهور العلماء: يلزمه حلقه. انتهى.

                                                                                                                              قال في (شرح المنتقى) : وقد اختلف في الوقت ، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول ; [ ص: 549 ] فقيل: إنه كان يوم الحديبية.

                                                                                                                              وقيل: في حجة الوداع.

                                                                                                                              وقد دلت على الأول: أحاديث. وعلى الثاني: أحاديث.

                                                                                                                              وقيل: إنه كان في الموضعين. أشار إلى ذلك النووي. وبه قال ابن دقيق العيد. قال الحافظ: وهو المتعين لتضافر الروايات بذلك في الموضعين.

                                                                                                                              وهذا هو الراجح ، لأن الروايات القاضية: بأن ذلك كان في الحديبية ; لا تنافي الروايات القاضية: بأن ذلك كان في حجة الوداع. وكذلك العكس. فيتوجه العمل بها في جميعها. والجزم بما دلت عليه.

                                                                                                                              وقد أطال صاحب (الفتح) الكلام ، في تعيين وقت هذا القول ، فمن أحب الإحاطة بجميع ذيول هذا البحث ، فليرجع إليه. انتهى.

                                                                                                                              قال ابن عبد البر: وكونه في الحديبية: هو المحفوظ.

                                                                                                                              قال عياض: ذكر مسلم في الباب ، خلاف ما قالوه. وإن كانت أحاديثه: جاءت مجملة ، غير مفسرة موطن ذلك.

                                                                                                                              وقد جاء الأمر في حديث: (أم الحصين) ، في باب رمي الجمرة: مفسرا أنه في حجة الوداع. فلا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله في الموضعين. والله أعلم.

                                                                                                                              [ ص: 550 ]



                                                                                                                              الخدمات العلمية