الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي زمنه كتب متى إنجيله بالعبرانية ، وفي زمانه صار مرقس والي الإسكندرية ، فدعا إلى الإيمان بالمسيح ، وهو أول شخص جعل بتركا بالإسكندرية ، وصير معه اثني عشر قسيسا على عدة نقباء بني إسرائيل في زمن موسى ، وأمرهم إذا مات البترك أن يختاروا من الاثني عشر واحدا يجعلونه مكانه ، ويضع الاثني عشر أيديهم على رأسه ويباركونه ، ثم يختارون رجلا فاضلا قسيسا يصيرونه تمام العدة . ولم يزل أمر القوم كذلك إلى زمان قسطنطين : ثم انقطع هذا الرسم فاصطلحوا على أن ينصبوا البترك من أي بلد كان من أولئك القسيسين ثم يسموه " بابا " ومعناه أبو [ ص: 542 ] الآباء ، وخرج مرقس إلى ( برقة ) يدعو الناس إلى دين المسيح ، ثم جاء ملك آخر فأهاج على أتباع المسيح الشر والبلاء ، وأخذهم بأنواع العذاب ، وفي عصره كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس عنه بالرومية ، ونسبه إلى مرقس . وفي عصره كتب لوقا إنجيله بالرومية لرجل شريف من عظماء الروم ، وكتب له الإفركسيس الذي فيه أخبار التلاميذ ، وفي زمنه صلب بطرس .

وزعموا أن بطرس قال له : إن أردت أن تصلبني فاصلبني منكسا ، لئلا أكون مثل سيدي المسيح فإنه صلب قائما .

وضرب عنق بولس بالسيف ، وأقام بطرس بعد صعود المسيح اثنين وعشرين سنة ، وأقام مرقس بالإسكندرية وبرقة سبع سنين يدعو الناس إلى الإيمان بالمسيح ، ثم قتل بالإسكندرية وأحرق جسده بالنار .

ثم استمرت القياصرة ملوك الروم على هذه السيرة إلى أن ملك قيصر يسمى طيطس فخرب بيت المقدس بعد المسيح بسبعين سنة بعد أن حاصرها ، وأصاب أهلها جوع عظيم ، وقتل من كان بها من ذكر وأنثى حتى كانوا يشقون بطون الحبالى [ ص: 543 ] ويضربون بأطفالهن الصخور ، وضرب المدينة وأضرم فيها نارا ، وأحصي القتلى فبلغوا ثلاثة آلاف ألف .

ثم ملك ملوك آخرون فكان منهم واحد شديدا على اليهود جدا ، فبلغه أن النصارى يقولون إن المسيح ملكهم وأن ملكه يدوم إلى آخر الدهر ، فاشتد غضبه وأمر بقتل النصارى ، وأن لا يبقى في مملكته نصراني .

وكان يوحنا صاحب الإنجيل هناك فهرب ، ثم أمر الملك بإكرامهم وترك الاعتراض عليهم .

ثم ملك بعده آخر فأثار على النصارى بلاء عظيما ، وقتل بترك أنطاكية ورومية ، وقتل أسقف بيت المقدس وصلبه ، وله يومئذ مائة وعشرون سنة ، وأمر باستعباد النصارى ، فاشتد عليهم البلاء إلى أن رحمتهم الروم ، وقال له وزراؤه : إن لهم دينا وشريعة ، وإنه لا يحل استعبادهم فكف عنهم .

وفي عصره كتب يوحنا إنجيله بالرومية ، وفي ذلك العصر رجع اليهود إلى بيت المقدس ، فلما كثروا وامتلأت بهم المدينة ، عزموا على أن يملكوا منهم ملكا ، فبلغ الخبر قيصر ، فوجه جيشا إليهم فقتل منهم ما لا يحصى ، ثم ملك بعده آخر فأخذ [ ص: 544 ] الناس بعبادة الأصنام ، وقتل من النصارى خلقا كثيرا ، ثم ملك بعده ابنه ، وفي زمانه قتل اليهود قتلا ذريعا ، وخرب بيت المقدس ، وهرب اليهود إلى مصر وإلى الشام والجبال والأغوار ، وتقطعوا في الأرض ، وأمر الملك أن لا يسكن المدينة يهودي ، وأن يقتل اليهود ويستأصلوا ، وأن يسكن المدينة اليونانيون . وامتلأت بيت المقدس من اليونانيين ، والنصارى ذمة الروم تحت أيديهم ، فرأوهم يأتون إلى مزبلة هناك فيصلون فيها ، فمنعوهم من ذلك ، وبنوا على المزبلة هيكلا باسم الزهرة ، فلم يمكن النصارى بعد ذلك قربان ذلك الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية