الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب العمرة هل هي فرض أم تطوع قال الله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله واختلف السلف في تأويل هذه الآية ، فروي عن علي وعمر وسعيد بن جبير وطاوس قالوا : " إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك " . وقال مجاهد : " إتمامهما بلوغ آخرهما بعد الدخول فيهما " وقال سعيد بن جبير وعطاء : " هو إقامتهما إلى آخر ما فيهما لله تعالى لأنهما واجبان " كأنهما تأولا ذلك على الأمر بفعلهما ، كقوله لو قال " حجوا واعتمروا " . وروي عن ابن عمر وطاوس قالا : " إتمامهما إفرادهما " وقال قتادة إتمام العمرة الاعتمار في غير أشهر الحج وروي عن علقمة في قوله تعالى والعمرة لله قال : " لا تجاوز بها البيت " وقد اختلف السلف في وجوب العمرة فروي عن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي والشعبي أنها تطوع قال مجاهد في قوله : وأتموا الحج والعمرة لله قال : " ما أمرنا به فيهما " . وقالت عائشة وابن عباس وابن عمر [ ص: 329 ] والحسن وابن سيرين : " هي واجبة " وروي نحوه عن مجاهد . وروي عن طاوس عن أبيه قال : " العمرة واجبة " . واحتج من أوجبها بظاهر قوله : وأتموا الحج والعمرة لله قالوا : واللفظ يحتمل إتمامهما بعد الدخول فيهما ويحتمل الأمر بابتداء فعلهما ، فالواجب حمله على الأمرين ، بمنزلة عموم يشتمل على مشتمل فلا يخرج منه شيء إلا بدلالة .

قال أبو بكر : ولا دلالة في الآية على وجوبها ؛ وذلك لأن أكثر ما فيها الأمر بإتمامهما ، وذلك إنما يقتضي نفي النقصان عنهما إذا فعلت ؛ لأن ضد التمام هو النقصان لا البطلان ، ألا ترى أنك تقول للناقص إنه غير تام ولا تقول مثله لما لم يوجد منه شيء ؟ فعلمنا أن الأمر بالإتمام إنما اقتضى نفي النقصان ، ولذلك قال علي وعمر : " إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك " يعني الأبلغ في نفي النقصان الإحرام بهما من دويرة أهلك . وإذا كان على ما وصفنا كان تقديره : أن لا يفعلهما ناقصين . وقوله : " لا يفعلهما ناقصين " لا يدل على الوجوب لجواز إطلاق ذلك على النوافل ، ألا ترى أنك تقول : " لا تفعل الحج التطوع ولا العمرة التطوع ناقصين ولا صلاة النفل ناقصة " ؟ فإذا كان الأمر بالإتمام يقتضي نفي النقصان فلا دلالة فيه إذا على وجوبها . ويدل على صحة ذلك أن العمرة التطوع والحج النفل مرادان بهذه الآية في النهي عن فعلهما ناقصين ، ولم يدل ذلك على وجوبهما في الأصل . وأيضا فإن الأظهر من لفظ الإتمام إنما يطلق بعد الدخول فيه ، قال الله عز وجل : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل فأطلق عليه لفظ الإتمام بعد الدخول ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا فأطلق لفظ الإتمام عليها بعد الدخول فيها . ويدل على أن المراد إيجاب إتمامهما بعد الدخول فيهما ، أن الحج والعمرة النافلتين يلزمه إتمامهما بعد الدخول فيهما بالآية ، فكان بمنزلة قوله : " أتموهما بعد الدخول فيهما " فغير جائز إذا ثبت أن المراد لزوم الإتمام بعد الدخول حمله على الابتداء لتضاد المعنيين ، ألا ترى أنه إذا أراد به الإلزام بالدخول انتفى أن يريد به الإلزام قبل الدخول ؟ ناف لكونه واجبا بالدخول ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال : إن حجة الإسلام إنما تلزم الدخول وإن صلاة الظهر متعلق لزومها بالدخول فيها ؟ وهذا يدل على أنه غير جائز إرادة إيجابهما بالدخول وإيجابهما ابتداء قبل الدخول فيهما ؛ فثبت بما وصفنا أنه لا دلالة في هذه الآية على وجوب العمرة قبل الدخول فيها ومما يدل على [ ص: 330 ] أنها ليست بواجبة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : العمرة هي الحج الأصغر . وروي عن عبد الله بن شداد ومجاهد قالا : " العمرة هي الحج الأصغر " . وإذا ثبت أن اسم الحج يتناول العمرة ، ثم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا : حدثنا يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي سنان الدؤلي ، عن ابن عباس : أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة ؟ قال : بل مرة واحدة فمن زاد فتطوع فلما سمى النبي صلى الله عليه وسلم العمرة في الخبر الأول حجا وقال للأقرع الحج مرة واحدة فمن زاد فتطوع انتفى بذلك وجوب العمرة ؛ إذ كانت قد تسمى حجا . ويدل عليه ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا يعقوب بن يوسف المطوعي قال : حدثنا أبو عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر قال : حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن حجاج بن أرطاة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والحج أواجب ؟ قال : نعم وسأله عن العمرة أهي واجبة ؟ قال : لا ولأن تعتمر خير لك . ورواه أيضا عباد بن كثير عن محمد بن المنكدر مثل حديث الحجاج وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا بشر بن موسى قال : حدثنا ابن الأصبهاني قال : حدثنا شريك وجرير وأبو الأحوص عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحج جهاد والعمرة تطوع . ويدل عليه أيضا حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ومعناه : أنه ناب عنها ؛ لأن أفعال العمرة موجودة في أفعال الحج وزيادة ؛ ولا يجوز أن يكون المراد أن وجوبها كوجوب الحج ؛ لأنه حينئذ لا تكون العمرة بأولى أن تدخل في الحج من الحج بأن يدخل في العمرة ؛ إذ هما جميعا واجبان ، كما لا يقال دخلت الصلاة في الحج ؛ لأنها واجبة كوجوب الحج . ويدل عليه حديث جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين أحرموا بالحج أن يحلوا منه بعمرة ، وأن سراقة بن مالك قال : أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال : بل للأبد ومعلوم أن هذه كانت عمل عمرة يحلل بها من إحرام الحج كما يتحلل الذي يفوته الحج بعمل عمرة وهي غير مجزية عن فرض العمرة عند من يراها فرضا ، فدل ذلك على أن العمرة غير مفروضة ؛ لأنها لو كانت مفروضة لما قال : عمرتكم هذه للأبد وفيه إخبار بأنه لا عمرة عليهم غيرها ويدل على أن ما يتحلل به من إحرام [ ص: 331 ] الحج ليس بعمرة أنه لو بقي الذي يفوته الحج على إحرامه حتى تحلل منه بعمرة في أشهر الحرم وحج من عامه ، أنه لا يكون متمتعا . ومما يحتج به لذلك من طريق النظر بأن الفروض مخصوصة بأوقات يتعلق وجوبها بوجودها كالصلاة والصيام والزكاة والحج ، فلو كانت العمرة فرضا لوجب أن تكون مخصوصة بوقت ، فلما لم تكن مخصوصة بوقت كانت مطلقة له أن يفعلها متى شاء ، فأشبهت الصلاة التطوع والصوم النفل .

فإن قيل : إن الحج النفل مخصوص بوقت ولم يدل ذلك على وجوبه . قيل له : هذا لا يلزم ؛ لأنا قلنا إن من شرط الفروض التي تلزم كل أحد في نفسه كونها مخصوصة بأوقات ، وما ليس مخصوصا بوقت فليس بفرض ، وليس يمتنع على ذلك أن يكون بعض النوافل مخصوصا بوقت وبعضها مطلق غير مخصوص بوقت ؛ فكل ما كان غير مخصوص بوقت فهو نافلة وما هو مخصوص بوقت فعلى ضربين : منه فرض ، ومنه نفل .

ومما يحتج به أيضا من طريق الأثر ، ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الحسن بن يحيى الخشني قال : حدثنا عمر بن قيس قال : حدثني طلحة بن موسى ، عن عمه إسحاق بن طلحة ، عن طلحة بن عبد الله ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الحج جهاد والعمرة تطوع .

وحدثنا عبد الباقي قال : حدثنا أحمد بن بحتر العطار قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا محمد بن الفضل بن عطية ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحج جهاد والعمرة تطوع واحتج من رآها واجبة بما روى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحج والعمرة فريضتان واجبتان . وبما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم لكم وأمره على الوجوب . وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الإسلام ، فذكر الصلاة وغيرها ثم قال : وأن تحج وتعتمر . ويقول صبي بن معبد : " وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي " قال ذلك لعمر فلم ينكر عليه ، وقال له " اجمعهما " . وبحديث أبي رزين رجل من بني عامر أنه قال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن ؟ قال : احجج عن أبيك واعتمر . فأما حديث جابر في وجوب العمرة من طريق ابن لهيعة فهو ضعيف كثير الخطإ ، يقال احترقت كتبه فعول على حفظه وكان سيئ الحفظ ، وإسناد حديث جابر الذي رويناه في عدم وجوبها أحسن من إسناد حديث ابن لهيعة

ولو تساويا لكن أكبر [ ص: 332 ] أحوالهما أن يتعارضا فيسقطا جميعا ويبقى لنا حديث طلحة وابن عباس من غير معارض .

فإن قال قائل : ليس حديث الحجاج عن محمد بن المنكدر عن جابر الذي رويته في نفي الإيجاب بمعارض لحديث ابن لهيعة عن عطاء عن جابر في إيجابها ؛ لأن حديث الحجاج وارد على الأصل وحديث ابن لهيعة ناقل عنه ، ومتى ورد خبران أحدهما ناف والآخر مثبت فالمثبت منهما أولى ، وكذلك إذا كان أحدهما موجبا والآخر غير موجب ؛ لأن الإيجاب يقتضي حظر تركه ونفيه لا حظر فيه والخبر الحاظر أولى من المبيح . قيل له : هذا لا يجب من قبل أن حديث ابن لهيعة في إيجابها لو كان ثابتا لورد النقل به مستفيضا لعموم الحاجة إليه ولوجب أن يعرفه كل من عرف وجوب الحج ؛ إذ كان وجوبها كوجوب الحج ومن خوطب به فهو مخاطب بها ، فغير جائز فيما كان هذا وصفه أن يكون وروده من طريق الآحاد مع ما في سنده من الضعف ومعارضة غيره إياه . وأيضا فمعلوم أن الروايتين وردتا عن رجل واحد ، فلو كان خبر الوجوب متأخرا في التاريخ عن خبر نفيه لبينه جابر في حديثه ، ولقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة إنها تطوع ثم قال بعد ذلك إنها واجبة ؛ إذ غير جائز أن يكون عنده الخبران جميعا مع علمه بتاريخهما فيطلق الرواية تارة بالإيجاب وتارة بضده من غير ذكر تاريخ ؛ فدل ذلك على أن هذين الخبرين وردا متعارضين ، وإنما يعتبر خبر المثبت والنافي على ما ذكرنا من الاعتبار إذا وردت الروايتان من جهتين . وأما حديث سمرة وقوله " فاعتمروا " فإنه على الندب بالدلائل التي قدمنا . فأما قوله حين سئل عن الإسلام فذكر الصلاة وغيرها ثم قال : وأن تحج وتعتمر فإن النوافل من الإسلام ، وكذلك كل ما يتقرب به إلى الله تعالى لأنه من شرائعه ؛ وقد روي أن الإسلام بضع وسبعون خصلة منها إماطة الأذى عن الطريق . وأما قول صبي بن معبد لعمر : " وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي " وسكوت عمر عنه وتركه النكير عليه ، فإنه إنما قال هما مكتوبان علي ولم يقل مكتوبتان على الناس ، فظاهره يقتضي أن يكون نذرهما فصارا مكتوبين عليه بالنذر . وأيضا فإنه إنما قاله تأويلا منه للآية ، وفيه مساغ للتأويل ، فلم ينكره عمر لاحتمالها له ، وهو بمنزلة قول القائل بوجوب العمرة فلا يستحقون النكير ؛ إذ كان الاجتهاد سائغا فيه . وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله عن الحج عن أبيه وقوله حج عن أبيك واعتمر فلا دلالة فيه على وجوبها لأنه لا خلاف أن هذا القول لم يخرج مخرج الإيجاب ؛ إذ ليس عليه أن [ ص: 333 ] يحج عن أبيه ولا أن يعتمر . ومن الناس من يحتج لإيجاب العمرة بقوله تعالى : وافعلوا الخير لأنها خير ، فظاهر اللفظ يقتضي إيجاب جميع الخير . وهذا يسقط من وجوه :

أحدها : أنه يحتاج أن يثبت أن فعل العمرة مع اعتقاد وجوبها خير لأن من لا يراها واجبة فغير جائز أن يفعلها على أنها واجبة ، ولو فعلها على هذا الاعتقاد لم يكن ذلك خيرا ، كمن صلى تطوعا واعتقد فيه الفرض . وآخر : وهو أن قوله : وافعلوا الخير لفظ مجمل لاشتماله على المجمل الذي لا يلزم استعماله بورود اللفظ ، ألا ترى أنه يدخل فيه الصلاة والزكاة والصوم وهذه كلها فروض مجملة ؟ ومتى انتظم اللفظ ما هو مجمل فهو مجمل يحتاج في إثبات حكمه إلى دليل من غيره . ووجه آخر : وهو أن الخير بالألف واللام لفظ جنس لا يمكن استغراقه ، فيتناول أدنى ما يقع عليه الاسم كقولك : " إن شربت الماء وتزوجت النساء " فإذا فعل أدنى ما يسمى به فقد قضى عهدة اللفظ . وأيضا فقد علمنا مع ورود اللفظ أن المراد البعض لتعذر استيعاب الكل ، فصار كقوله : " افعلوا بعض الخير " فيحتاج إلى بيان في لزوم الأمر واحتج من أوجبها بأنا لم نجد شيئا يتطوع به إلا وله أصل في الفرض ، فلو كانت العمرة تطوعا لكان لها أصل في الفرض . فيقال له : العمرة إنما هي الطواف والسعي ولذلك أصل في الفرض .

فإن قيل : لا يوجد طواف وسعي مفردا فرضا غير العمرة ، وإنما يوجد ذلك في الفرض تابعا . قيل له : قد يتطوع بالطواف بالبيت وإن لم يكن له أصل في الفرض مفردا ، فكذلك العمرة يتطوع بها إذا كانت طوافا وسعيا وإن لم يكن لها أصل في الفرض واحتج الشافعي بأنه لما جاز الجمع بينها وبين الحج دل على أنها فرض ؛ لأنها لو كانت تطوعا ما جاز أن يعمل مع عمل الحج ، كما لا يجمع بين صلاتين إحداهما فرض والأخرى تطوع ويجمع بين عمل أربع ركعات فرض . قال أبو بكر : وهذه قضية فاسدة يبطل عليه القول بوجوب العمرة لأنه يقال له : لما جاز الجمع بينهما ولم يجز بين صلاتي فرض دل على أنها ليست بفرض ؛ وأما قوله : " ويجمع بين عمل أربع ركعات " فإن الأربع كلها صلاة واحدة كالحج الواحد المشتمل على سائر أركانه كالطواف الواحد المشتمل على سبعة أشواط ، وهو مع ذلك منتقض على أصله لأنه لو اعتمر ثم حج حجة الفريضة وقرن معها عمرة كانت العمرة تطوعا والحج فرضا فقد صح الجمع بين الفرض والنفل في الحج والعمرة ، فانتقض بذلك استدلال من استدل بجواز جمعها إلى الحج على وجوبها . واحتج الشافعي أيضا بأنه لما جعل لها ميقات كميقات [ ص: 334 ] الحج دل على أنها فرض فيقال له : إذا اعتمر عمرة الفريضة ورجع إلى أهله ثم أراد أن يرجع للعمرة كان لها ميقات كميقات الحج وهي تطوع ، فشرط الميقات ليس بدلالة على الوجوب ، وكذلك الحج التطوع له ميقات كميقات الواجب . واحتج أيضا بوجوب الدم على القارن ولم يبين منه وجه الدلالة على الوجوب ، ولكن ادعى دعوى عارية من البرهان ؛ ومع ذلك فإنه منتقض ؛ لأنه لو قرن حجة فريضة مع عمرة تطوع لكان عليه دم ، فكذلك لو جمع بينهما وهما نافلتان لوجب الدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية