الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 267 ] النوع الثالث عشر : الشاذ هو عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة من علماء الحجاز : ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره ، قال الخليلي : والذي عليه حفاظ الحديث ، أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة ، أو غيره ، فما كان عن غير ثقة فمتروك ، وما كان عن ثقة توقف فيه ، ولا يحتج به ، وقال الحاكم : هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع .
وما ذكراه مشكل بأفراد العدل الضابط كحديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347749إنما الأعمال بالنيات " ، والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح ، فالصحيح التفصيل : فإن كان بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط ، كان شاذا مردودا وإن لم يخالف الراوي ، فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا ، وإن لم يوثق بضبطه ، ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا ، وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا ، والحاصل أن الشاذ المردود : هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده .
( النوع الثالث عشر : nindex.php?page=treesubj&link=29114الشاذ ، وهو عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة من علماء الحجاز : ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس ، لا أن يروي ) الثقة ( ما لا يروي غيره ) ، هو من تتمة كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
( قال ) الحافظ nindex.php?page=showalam&ids=14251أبو يعلى ( الخليلي : والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره ، فما كان ) منه ( عن غير ثقة فمتروك ) لا يقبل ، ( وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به ) .
فجعل الشاذ مطلق التفرد لا مع اعتبار المخالفة .
[ ص: 268 ] ( وقال الحاكم : هو ما انفرد به ثقة ، وليس له أصل بمتابع ) لذلك الثقة .
قال : ويغاير المعلل بأن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه ، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك .
فجعل الشاذ تفرد الثقة ، فهو أخص من قول الخليلي .
قال شيخ الإسلام : وبقي من كلام الحاكم : وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ، قال : وهذا القيد لا بد منه ، قال : وإنما يغاير المعلل من هذه الجهة ، قال : وهذا على هذا أدق من المعلل بكثير ، فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة ، وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة .
قلت : ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف ، ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في " المستدرك " من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16532عبيد بن غنام النخعي ، عن علي بن حكيم ، عن شريك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : ( ق 80 \ ب ) في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم ، وعيسى كعيسى ، وقال صحيح الإسناد .
ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم له ، حتى رأيت البيهقي قال : إسناده [ ص: 269 ] صحيح ، ولكنه شاذ بمرة .
قال المصنف nindex.php?page=showalam&ids=12795كابن الصلاح ، ( وما ذكراه ) ; أي الخليلي والحاكم ( مشكل ) ، فإنه ينتقض ( بأفراد العدل الضابط ) الحافظ ( كحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=10347749إنما الأعمال بالنيات ) ، فإنه حديث فرد تفرد به عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم علقمة عنه ، ثم nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم ، عن علقمة ، ثم عنه nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد .
( و ) كحديث ( النهي ، عن بيع الولاء ) ، وهبته ، تفرد به nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
( وغير ذلك ) من الأحاديث الأفراد ( مما ) أخرج ( في الصحيح ) ، كحديث مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن أنس : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347750أن النبي دخل مكة وعلى رأسه المغفر . تفرد به مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري .
[ ص: 270 ] فكل هذه مخرجة في الصحيح مع أنه ليس له إلا إسناد واحد ، تفرد به ثقة .
وقد قال مسلم : nindex.php?page=showalam&ids=12300للزهري نحو تسعين حرفا يرويه ، ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : فهذا الذي ذكرناه ، وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي قالاه ، وحينئذ ( فالصحيح التفصيل فإن كان ) الثقة ( بتفرده مخالفا أحفظ منه ، وأضبط ) .
عبارة nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك .
وعبارة شيخ الإسلام : لمن هو أرجح منه لمزيد ضبط ، أو كثرة عدد ، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات . ( كان ) ما انفرد به ( شاذا مردودا ) .
قال شيخ الإسلام : ومقابله يقال له : المحفوظ .
قال : مثاله . ما رواه الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=10347751أن رجلا توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه ، الحديث .
[ ص: 271 ] وتابع nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة على وصله nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وغيره ( ق 81 \ أ ) ، وخالفهم nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، فرواه عن nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، ولم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال أبو حاتم : المحفوظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة .
قال شيخ الإسلام : nindex.php?page=showalam&ids=15743فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ، ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه ، قال : وعرف من هذا التقرير : أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه ، قال : وهذا هو المعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح .
ومن أمثلته في المتن : ما رواه أبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16496عبد الواحد بن زياد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347752إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه " .
قال البيهقي : خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا ، فإن الناس إنما رووه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من قوله : وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش بهذا اللفظ .
( وإن لم يخالف الراوي ) بتفرده غيره ، وإنما روى أمرا لم يروه غيره ، فينظر في هذا الراوي المنفرد ، ( فإن كان عدلا ، حافظا موثوقا بضبطه ، كان تفرده صحيحا [ ص: 272 ] وإن لم يوثق بضبطه ، و ) لكن ( لم يبعد عن درجة الضابط ، كان ) ما انفرد به ( حسنا ، وإن بعد ) من ذلك ( كان شاذا منكرا مردودا .
والحاصل إن الشاذ المردود هو الفرد المخالف ، والفرد الذي ليس في رواته من الثقة ، والضبط ما يجبر به تفرده ) ، وهو بهذا التفسير يجامع المنكر وسيأتي ما فيه .
تنبيه
ما تقدم من الاعتراض على الخليلي والحاكم بأفراد الصحيح ، أورد عليه أمران : أحدهما : أنهما إنما ذكرا تفرد الثقة ، فلا يرد عليهما تفرد الضابط الحافظ لما بينهما من الفرق
وأجيب بأنهما أطلقا الثقة فشمل الحافظ وغيره .
والثاني أن حديث النية لم ينفرد به عمر ، بل رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري ، كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره ( ق 81 \ ب ) .
[ ص: 273 ] بل ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13564أبو القاسم بن منده أنه رواه سبعة عشر أخر من الصحابة ، nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان ، nindex.php?page=showalam&ids=240وعتبة بن عبد السلمي ، وهلال بن سويد ، nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت ، nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ، nindex.php?page=showalam&ids=27وعقبة بن عامر ، nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبو ذر الغفاري ، nindex.php?page=showalam&ids=5521وعتبة بن الندر ، وعتبة بن مسلم .
وزاد غيره : nindex.php?page=showalam&ids=4أبا الدرداء ، nindex.php?page=showalam&ids=31وسهل بن سعد ، والنواس بن سمعان ، nindex.php?page=showalam&ids=110وأبا موسى الأشعري ، nindex.php?page=showalam&ids=52وصهيب بن سنان ، nindex.php?page=showalam&ids=481وأبا أمامة الباهلي ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج ، nindex.php?page=showalam&ids=90وصفوان بن أمية ، وغزية بن الحارث ، أو الحارث بن غزية ، وعائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة ، nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة ، nindex.php?page=showalam&ids=199وصفية بنت حيي .
وذكر ابن منده أنه رواه عن عمر غير علقمة ، وعن علقمة غير محمد ، وعن محمد غير يحيى .
وأن حديث النهي عن بيع الولاء رواه غير ابن دينار .
فأخرجه الترمذي في العلل المفرد ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12461محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، ثنا nindex.php?page=showalam&ids=14681يحيى بن سليم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في " الكامل " ، حدثنا عصمة البخاري ، حدثنا إبراهيم بن [ ص: 274 ] فهد ، ثنا مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13155محمد بن دينار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس يعني ابن عبيد ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وأجيب بأن حديث الأعمال لم يصح له طريق غير حديث عمر ، ولم يرد بلفظ حديث عمر إلا من حديث أبي سعيد ، وعلي ، وأنس ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة .
فأما حديث أبي سعيد فقد صرحوا بتغليط nindex.php?page=showalam&ids=16374ابن أبي رواد الذي رواه ، عن مالك ، وممن وهمه فيه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره .
وحديث علي في أربعين علوية بإسناد من أهل البيت ، فيه من لا يعرف .
وحديث أنس رواه nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في أول أماليه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم ، عن أنس ، وقال : غريب جدا ، والمحفوظ حديث عمر ، ( ق 82 \ أ ) .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رواه الرشيد العطار في جزء له بسند ضعيف .
وسائر أحاديث الصحابة المذكورين إنما هي في مطلق النية كحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347753يبعثون على نياتهم ، وحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347754ليس له من غزاته إلا ما نوى ، ونحو ذلك .
وهكذا يفعل الترمذي في الجامع ، حيث يقول ، وفي الباب عن فلان وفلان ، فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين ، بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب .
[ ص: 275 ] قال العراقي : وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه ، وليس كذلك ، بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب ، ولم يصح من طريق عن عمر إلا الطريق المتقدمة .
قال البزار في مسنده : لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث عمر ، ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ، ولا عن علقمة إلا من حديث محمد ، ولا عن محمد إلا من حديث يحيى .
وأما حديث النهي ، فقال الترمذي في الجامع والعلل : أخطأ فيه nindex.php?page=showalam&ids=14681يحيى بن سليم ، nindex.php?page=showalam&ids=16430وعبد الله بن دينار تفرد بهذا الحديث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي عقب ما أورده : ما أسمعه إلا من عصمة ، عن إبراهيم بن فهد ، وإبراهيم مظلم الأمر له مناكير .
نعم حديث المغفر لم ينفرد به مالك بل تابعه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ابن أخي nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، رواها البزار في مسنده .
وأبو أويس بن أبي عامر ، رواها nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في " الكامل " ، وابن سعد في [ ص: 276 ] " الطبقات " .
ومعمر رواها nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي نبه عليها المزي في الأطراف .
وعن ابن العربي أن له ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك .
وقال شيخ الإسلام : قد جمعت طرقه فوصلت إلى سبعة عشر .
( النوع الثالث عشر : nindex.php?page=treesubj&link=29114الشاذ ، وهو عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة من علماء الحجاز : ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس ، لا أن يروي ) الثقة ( ما لا يروي غيره ) ، هو من تتمة كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
( قال ) الحافظ nindex.php?page=showalam&ids=14251أبو يعلى ( الخليلي : والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره ، فما كان ) منه ( عن غير ثقة فمتروك ) لا يقبل ، ( وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به ) .
فجعل الشاذ مطلق التفرد لا مع اعتبار المخالفة .
[ ص: 268 ] ( وقال الحاكم : هو ما انفرد به ثقة ، وليس له أصل بمتابع ) لذلك الثقة .
قال : ويغاير المعلل بأن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه ، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك .
فجعل الشاذ تفرد الثقة ، فهو أخص من قول الخليلي .
قال شيخ الإسلام : وبقي من كلام الحاكم : وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ، قال : وهذا القيد لا بد منه ، قال : وإنما يغاير المعلل من هذه الجهة ، قال : وهذا على هذا أدق من المعلل بكثير ، فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة ، وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة .
قلت : ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف ، ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في " المستدرك " من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16532عبيد بن غنام النخعي ، عن علي بن حكيم ، عن شريك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : ( ق 80 \ ب ) في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم ، وعيسى كعيسى ، وقال صحيح الإسناد .
ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم له ، حتى رأيت البيهقي قال : إسناده [ ص: 269 ] صحيح ، ولكنه شاذ بمرة .
قال المصنف nindex.php?page=showalam&ids=12795كابن الصلاح ، ( وما ذكراه ) ; أي الخليلي والحاكم ( مشكل ) ، فإنه ينتقض ( بأفراد العدل الضابط ) الحافظ ( كحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=10347749إنما الأعمال بالنيات ) ، فإنه حديث فرد تفرد به عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم علقمة عنه ، ثم nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم ، عن علقمة ، ثم عنه nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد .
( و ) كحديث ( النهي ، عن بيع الولاء ) ، وهبته ، تفرد به nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
( وغير ذلك ) من الأحاديث الأفراد ( مما ) أخرج ( في الصحيح ) ، كحديث مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن أنس : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347750أن النبي دخل مكة وعلى رأسه المغفر . تفرد به مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري .
[ ص: 270 ] فكل هذه مخرجة في الصحيح مع أنه ليس له إلا إسناد واحد ، تفرد به ثقة .
وقد قال مسلم : nindex.php?page=showalam&ids=12300للزهري نحو تسعين حرفا يرويه ، ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : فهذا الذي ذكرناه ، وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي قالاه ، وحينئذ ( فالصحيح التفصيل فإن كان ) الثقة ( بتفرده مخالفا أحفظ منه ، وأضبط ) .
عبارة nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك .
وعبارة شيخ الإسلام : لمن هو أرجح منه لمزيد ضبط ، أو كثرة عدد ، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات . ( كان ) ما انفرد به ( شاذا مردودا ) .
قال شيخ الإسلام : ومقابله يقال له : المحفوظ .
قال : مثاله . ما رواه الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=10347751أن رجلا توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه ، الحديث .
[ ص: 271 ] وتابع nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة على وصله nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وغيره ( ق 81 \ أ ) ، وخالفهم nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، فرواه عن nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، ولم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال أبو حاتم : المحفوظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة .
قال شيخ الإسلام : nindex.php?page=showalam&ids=15743فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ، ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه ، قال : وعرف من هذا التقرير : أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه ، قال : وهذا هو المعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح .
ومن أمثلته في المتن : ما رواه أبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16496عبد الواحد بن زياد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347752إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه " .
قال البيهقي : خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا ، فإن الناس إنما رووه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من قوله : وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش بهذا اللفظ .
( وإن لم يخالف الراوي ) بتفرده غيره ، وإنما روى أمرا لم يروه غيره ، فينظر في هذا الراوي المنفرد ، ( فإن كان عدلا ، حافظا موثوقا بضبطه ، كان تفرده صحيحا [ ص: 272 ] وإن لم يوثق بضبطه ، و ) لكن ( لم يبعد عن درجة الضابط ، كان ) ما انفرد به ( حسنا ، وإن بعد ) من ذلك ( كان شاذا منكرا مردودا .
والحاصل إن الشاذ المردود هو الفرد المخالف ، والفرد الذي ليس في رواته من الثقة ، والضبط ما يجبر به تفرده ) ، وهو بهذا التفسير يجامع المنكر وسيأتي ما فيه .
تنبيه
ما تقدم من الاعتراض على الخليلي والحاكم بأفراد الصحيح ، أورد عليه أمران : أحدهما : أنهما إنما ذكرا تفرد الثقة ، فلا يرد عليهما تفرد الضابط الحافظ لما بينهما من الفرق
وأجيب بأنهما أطلقا الثقة فشمل الحافظ وغيره .
والثاني أن حديث النية لم ينفرد به عمر ، بل رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري ، كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره ( ق 81 \ ب ) .
[ ص: 273 ] بل ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13564أبو القاسم بن منده أنه رواه سبعة عشر أخر من الصحابة ، nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان ، nindex.php?page=showalam&ids=240وعتبة بن عبد السلمي ، وهلال بن سويد ، nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت ، nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ، nindex.php?page=showalam&ids=27وعقبة بن عامر ، nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبو ذر الغفاري ، nindex.php?page=showalam&ids=5521وعتبة بن الندر ، وعتبة بن مسلم .
وزاد غيره : nindex.php?page=showalam&ids=4أبا الدرداء ، nindex.php?page=showalam&ids=31وسهل بن سعد ، والنواس بن سمعان ، nindex.php?page=showalam&ids=110وأبا موسى الأشعري ، nindex.php?page=showalam&ids=52وصهيب بن سنان ، nindex.php?page=showalam&ids=481وأبا أمامة الباهلي ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج ، nindex.php?page=showalam&ids=90وصفوان بن أمية ، وغزية بن الحارث ، أو الحارث بن غزية ، وعائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة ، nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة ، nindex.php?page=showalam&ids=199وصفية بنت حيي .
وذكر ابن منده أنه رواه عن عمر غير علقمة ، وعن علقمة غير محمد ، وعن محمد غير يحيى .
وأن حديث النهي عن بيع الولاء رواه غير ابن دينار .
فأخرجه الترمذي في العلل المفرد ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12461محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، ثنا nindex.php?page=showalam&ids=14681يحيى بن سليم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في " الكامل " ، حدثنا عصمة البخاري ، حدثنا إبراهيم بن [ ص: 274 ] فهد ، ثنا مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13155محمد بن دينار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس يعني ابن عبيد ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وأجيب بأن حديث الأعمال لم يصح له طريق غير حديث عمر ، ولم يرد بلفظ حديث عمر إلا من حديث أبي سعيد ، وعلي ، وأنس ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة .
فأما حديث أبي سعيد فقد صرحوا بتغليط nindex.php?page=showalam&ids=16374ابن أبي رواد الذي رواه ، عن مالك ، وممن وهمه فيه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره .
وحديث علي في أربعين علوية بإسناد من أهل البيت ، فيه من لا يعرف .
وحديث أنس رواه nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في أول أماليه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم ، عن أنس ، وقال : غريب جدا ، والمحفوظ حديث عمر ، ( ق 82 \ أ ) .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رواه الرشيد العطار في جزء له بسند ضعيف .
وسائر أحاديث الصحابة المذكورين إنما هي في مطلق النية كحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347753يبعثون على نياتهم ، وحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347754ليس له من غزاته إلا ما نوى ، ونحو ذلك .
وهكذا يفعل الترمذي في الجامع ، حيث يقول ، وفي الباب عن فلان وفلان ، فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين ، بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب .
[ ص: 275 ] قال العراقي : وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه ، وليس كذلك ، بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب ، ولم يصح من طريق عن عمر إلا الطريق المتقدمة .
قال البزار في مسنده : لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث عمر ، ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ، ولا عن علقمة إلا من حديث محمد ، ولا عن محمد إلا من حديث يحيى .
وأما حديث النهي ، فقال الترمذي في الجامع والعلل : أخطأ فيه nindex.php?page=showalam&ids=14681يحيى بن سليم ، nindex.php?page=showalam&ids=16430وعبد الله بن دينار تفرد بهذا الحديث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي عقب ما أورده : ما أسمعه إلا من عصمة ، عن إبراهيم بن فهد ، وإبراهيم مظلم الأمر له مناكير .
نعم حديث المغفر لم ينفرد به مالك بل تابعه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ابن أخي nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، رواها البزار في مسنده .
وأبو أويس بن أبي عامر ، رواها nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في " الكامل " ، وابن سعد في [ ص: 276 ] " الطبقات " .
ومعمر رواها nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي نبه عليها المزي في الأطراف .
وعن ابن العربي أن له ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك .
وقال شيخ الإسلام : قد جمعت طرقه فوصلت إلى سبعة عشر .