الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1857 ) فصل : ونصاب العسل عشرة أفراق . وهذا قول الزهري وقال أبو يوسف ، ومحمد : خمسة أوساق ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة . } وقال أبو حنيفة : تجب في قليله وكثيره ، بناء على أصله في الحبوب والثمار . ووجه الأول ما روي عن عمر رضي الله عنه أن ناسا سألوه ، فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لنا واديا باليمن ، فيه خلايا من نحل ، وإنا نجد ناسا يسرقونها . فقال عمر رضي الله عنه : إن أديتم صدقتها ، من كل عشرة أفراق فرقا ، حميناها لكم . . رواه الجوزجاني .

                                                                                                                                            وهذا تقدير من عمر رضي الله عنه فيتعين المصير إليه . إذا ثبت هذا فإن الفرق ستة عشر رطلا بالعراقي ، فيكون نصابه مائة وستين رطلا . وقال أحمد ، في رواية أبي داود : قال الزهري ، في عشرة أفراق فرق ، والفرق ستة عشر رطلا .

                                                                                                                                            وقال ابن حامد الفرق ستون رطلا ، فيكون النصاب ستمائة رطل ، فإنه يروي أن الخليل بن أحمد ، قال : الفرق ، بإسكان الراء : مكيال ضخم من مكاييل أهل العراق . وقيل : هو مائة وعشرون رطلا ، ويحتمل أن يكون نصابه ألف رطل ، لحديث عمرو بن شعيب ، أنه كان يؤخذ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها . والقربة عند الإطلاق مائة رطل ، بدليل أن القلتين خمس قرب ، وهي خمسمائة رطل .

                                                                                                                                            وروى سعيد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، أخبرني عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذباب ، عن أبيه ، عن جده أنه قال لقومه : إنه لا خير في مال لا زكاة فيه . قال : فأخذت من كل عشر قرب قربة ، فجئت بها إلى عمر بن الخطاب ، فأخذها ، فجعلها في صدقات المسلمين . ووجه الأول قول عمر : من كل عشرة أفراق فرقا والفرق ، بتحريك الراء : ستة عشر رطلا .

                                                                                                                                            قال أبو عبيد : لا خلاف بين الناس أعلمه ، في أن الفرق ثلاثة آصع { . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة : أطعم ستة مساكين فرقا من طعام . فقد بين أنه ثلاثة آصع . } وقالت عائشة : { كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء ، هو الفرق } . هذا هو المشهور فينصرف الإطلاق إليه . والفرق : هو مكيال ضخم لا يصح حمله عليه ; لوجوه : أحدها ، أنه غير مشهور في كلامهم ، فلا يحمل عليه المطلق من كلامهم .

                                                                                                                                            قال ثعلب : قل فرق ولا تقل فرق . قال خداش بن زهير : يأخذون الأرش في إخوتهم فرق السمن وشاة في الغنم الثاني ، أن عمر ، قال : من كل عشرة أفراق فرق ، والأفراق جمع فرق ، بفتح الراء ، وجمع الفرق ، بإسكان الراء ، فروق ، وفي القلة أفرق ; لأن ما كان على وزن فعل ساكن العين غير معتل ، فجمعه في القلة أفعل ، وفي الكثرة فعال أو فعول .

                                                                                                                                            والثالث ، أن الفرق الذي هو مكيال ضخم من مكاييل أهل العراق لا [ ص: 307 ] يحمل عليه كلام عمر رضي الله عنه وإنما يحمل كلام عمر ، رضي الله عنه على مكاييل أهل الحجاز ; لأنه بها ومن أهلها ، ويؤكد ما ذكرنا تفسير الزهري له في نصاب العسل بما قلناه والإمام أحمد ذكره في معرض الاحتجاج به ، فيدل على أنه ذهب إليه . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية