الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها :

[مسير بغا الكبير إلى بني نمير ]


مسير بغا الكبير إلى بني نمير حتى أوقع بهم .

وسببه : أنهم كانوا يعيثون في الأرض ، وكان قد انكشف عسكر بغا ، ثم اجتمع فكشفوا بني نمير ، ثم طلبوا الأمان فأعطاهم ، ثم قيدهم وسار بهم .

[جاء السودان إلى البصرة ]

[وفيها : جاء السودان إلى البصرة .

وفيها : ولي محمد بن إبراهيم بن مصعب فارس ] .

وفيها : أمر الواثق بترك جباية أعشار البحر .

وفيها : اشتد البرد في نيسان حتى جمد الماء لخمس خلون منه .

[كثرة الزلازل في المغرب ]

وكثرت الزلازل في المغرب ، وكانت زلزلة بدمشق هدمت منها المنازل [والدور ] ، ومات خلق من الناس ، وكذلك بحمص ، وعظم ذلك في قرى أنطاكية [ ص: 177 ] والموصل ، ويقال : إنه مات فيها عشرون ألفا .

وفيها : أصاب الحاج في العود عطش شديد في أربعة منازل إلى الربذة ، فبلغت الشربة دنانير كثيرة ، ومات خلق كثير من العطش .

[موت الواثق ]

وفيها : مات الواثق ، وبويع للمتوكل . [ ص: 178 ]

باب خلافة المتوكل

واسمه : جعفر بن محمد بن هارون الرشيد ، ويكنى أبا الفضل ، وأمه أم ولد ، اسمها شجاع ، ولد سنة سبع ومائتين بفم الصلح ، ونزل سامراء ، وكان أسمر حسن العينين ، خفيف العارضين ، نحيفا إلى القصر ، ولا تعرف امرأة رأت ابنها خليفة وهو جد وله ثلاثة أولاد ولاة عهود إلا أم المتوكل ، وكان المتوكل جدا وما كمل له ثلاثون سنة .

وسلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كلهم ابن خليفة : محمد بن الواثق ، وأحمد بن المعتصم ، وموسى بن المأمون ، وعبد الله بن الأمين ، وأبو أحمد بن الرشيد ، والعباس بن الهادي ، ومنصور بن المهدي ، والمنصور بن المتوكل .

ذكر بيعة المتوكل [وشيء من سيرته ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال :

أخبرني الحسن بن علي الصيمري ، حدثنا محمد بن عمران بن موسى قال : حدثني أبو عبد الله الحكيمي قال : حدثني ميمون عن جماعة سماهم ، أن الواثق لما مات اجتمع وصيف التركي ، وأحمد بن أبي دؤاد ، ومحمد بن عبد الملك ، وأحمد بن خالد المعروف بأبي الوزير وعمر بن فرج ، فعزم أكثرهم على تولية محمد بن الواثق ، فأحضروه وهو غلام أمرد قصير ، فقال [أحمد ] بن أبي دؤاد : أما تتقون الله ، كيف

[ ص: 179 ]

[تولون مثل ] هذا الخلافة ؟ فأرسلوا بغا الشرابي إلى جعفر بن المعتصم فأحضروه ، فقام ابن أبي دؤاد فألبسه الطويلة ودراعة ، وعممه بيده على الطويلة ، وقبل بين عينيه ، وقال : السلام عليكم يا أمير المؤمنين . ثم غسل الواثق ، وصلى عليه المتوكل ودفن .

قال ميمون : فحدثني سعيد الصغير قال : كان المتوكل قد رأى في منامه كأن سكرا سليمانيا قد نزل عليه من السماء مكتوب عليه : "جعفر المتوكل على الله" .

قال ميمون : فلما صلى على الواثق قال محمد بن عبد الملك : نسميه المنتصر ، وخاض الناس في ذلك ، فحدث المتوكل أحمد بن أبي دؤاد بما رأى [في منامه ] فوجده موافقا ، فأمضى وكتب [به ] إلى الآفاق .

وفي رواية أخرى : أنهم بعد ذلك صاروا إلى دار العامة فبايعوا حين زالت الشمس يومئذ وذلك يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ، وكتب له بالبيعة محمد بن عبد الملك الزيات وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل ، وسنه إذ ذاك ستة وعشرون سنة .

أخبرنا [أبو منصور ] القزاز قال : أخبرنا أبو بكر [أحمد ] بن علي [بن ثابت قال ] أخبرني [الحسن ] بن شهاب العكبري في كتابه إلي قال : حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي سمرة البندار ، أخبرنا معاوية بن عثمان ، حدثنا علي بن حاتم ، حدثنا علي الجهم قال : وجه إلي أمير المؤمنين المتوكل ، فأتيته فقال لي : يا علي ، رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقمت إليه ، فقال لي : تقوم إلي وأنت خليفة ؟ فقلت له : أبشر يا أمير المؤمنين أما قيامك إليه فقيامك بالسنة ، وقد عدك من الخلفاء . فسر بذلك .

أخبرنا القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن علي بن إسحاق الخازن ، أخبرنا أحمد بن بشر بن سعيد الخرقي ، حدثنا أبو روق الهزاني [ ص: 180 ] قال : سمعت محمد بن خلف يقول : كان إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة يقول : الخلفاء ثلاثة ، أبو بكر الصديق قاتل أهل الردة حتى استجابوا ، وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بني أمية ، والمتوكل محا البدع [وأظهر السنة ] .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت ] قال : حدثني القاضي أبو القاسم علي بن الحسن قال : حدثني أبو الفتح بن أحمد بن علي بن هارون المنجم ، عن أبيه وعمه ، عن أبيهما أبي القاسم علي بن يحيى : أنه كانت عنده [كل ] نوبة من نوب الفراشين في دار المتوكل على [الله ] أربعة آلاف فراش قالا : فذهب عنا أن نسأله كم نوبة كانوا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا [أبو بكر ] أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري ، قال : أخبرنا المعافى بن زكريا الجريري ، حدثنا أبو النضر العقيلي ، حدثنا أبو أحمد يحيى بن علي المنجم [قال : ] حدثني أبي قال : خرجنا مع المتوكل إلى دمشق فلحقنا ضيقة بسبب المؤن والنفقات التي كانت تلزمنا ، قال : فبعثت إلى بختيشوع وكان [لي ] صديقا [أسأله ] أن يقرضني عشرين ألف درهم ، قال : فأقرضنيها ، فلما كان بعد يوم أو يومين دخلت مع الجلساء إلى المتوكل ، فلما جلسنا بين يديه قال : يا علي ، لك عندي ذنب وهو عظيم ، قلت : يا سيدي ، وما هو ، فإني لا أعرف لي ذنبا ولا جناية ؟ قال : بلى ، أضقت فاستقرضت [ ص: 181 ] من بختيشوع عشرين ألف درهم ، أفلا أعلمتني ؟ قلت : يا مولاي ، صلات أمير المؤمنين عندي متواترة ، وأرزاقه وأنزاله علي دارة ، فاستحييت مع ما قد أنعم الله به علينا من [هذا ] التفضل أن أسأله ، قال : ولم ؟ إياك أن تستحي في مسألتي أو الطلب مني ، وأن تعاود مثل ما كان منك ، ثم قال : مائة ألف درهم - بغير صروف - فأحضرت عشر بدر ، فقال : خذها واتسع بها .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا أحمد بن عبد الواحد الوكيل قال : حدثنا إسماعيل بن سعيد المعدل ، أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، أخبرنا محرز الكاتب قال : اعتل عبيد الله بن يحيى بن خاقان فأمر المتوكل الفتح أن يعوده ، فأتاه فقال : أمير المؤمنين يسأل عن علتك ، فقال عبيد الله :


عليل من مكانين من الأسقام والدين     وفي هذين لي شغل
وحسبي شغل هذين

فأمر له المتوكل بألف درهم . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [قال : أخبرنا ] أحمد بن علي [بن ثابت ] قال :

حدثنا عبد الله بن علي بن حمويه ، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي شاه التميمي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله العبسي قال :

حدثني أبو بكر محمد بن إسحاق قال : حدثني الأعثم قال : دخل علي بن الجهم على جعفر المتوكل وبيده درتان يقلبهما ، فأنشده قصيدته التي يقول فيها :


وإذا مررت ببئر عروة     فاسقني من مائها

قال : فدحا بالدرة التي في يمينه ، فقلبتها فقال [لي ] : تستنقص بها ؟ هي والله [ ص: 182 ] خير من مائة ألف ، قلت : لا والله ما استنقصت بها ، ولكن فكرت في أبيات أعملها لآخذ التي في يسارك ، فقال : قل . فأنشأت أقول :


بسر من رأى إمام عدل     تغرف من بحره البحار
يرجى ويخشى لكل خطب     كأنه جنة ونار
الملك فيه وفي بنيه     ما اختلف الليل والنهار
يداه في الجود ضرتان     عليه كلتاهما تغار
لم تأت منه اليمين شيئا     إلا أتت مثلها اليسار

قال : فدحا [إليه ] بالتي في يساره [وقال : خذها لا بارك الله لك فيها ] .

[قال المصنف ] : وقد رويت هذه الأبيات للبحتري في المتوكل .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا محمد بن جعفر بن علان قال : حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي ، حدثنا محمد بن إبراهيم الأنطاكي ، أخبرنا الحارث بن أحمد العبدي ، حدثنا أحمد بن يزيد المؤدب قال : سمعت الفتح بن خاقان يقول : دخلت يوما على المتوكل فرأيته مطرقا يتفكر فقلت له : ما هذا الكفر يا أمير المؤمنين ؟ فو الله ما على الأرض أطيب منك عيشا ولا أنعم أمنك بالا ، فقال : يا فتح ، أطيب عيشا مني رجل له دار واسعة ، وزوجة صالحة ، ومعيشة حاضرة ، لا يعرفنا فنؤذيه ، ولا يحتاج إلينا فنزدريه .

التالي السابق


الخدمات العلمية